وبه يذلّ الكفر والشرك ، ويزال الظلم والعدوان ، وتخذل كلمة الكفر ، وتطهر الأرض من الفساد.
والآيات الشريفة بأسلوبها اللطيف ومضمونها الرفيع وفصاحتها الكاملة قد اقترنت بأمور جعلتها من أهمّ الآيات الّتي ترغّب إلى الجهاد وتنشّط عليه وتحفز الهمم إليه وتنفّر النفوس من القعود عنه ، والتكاسل والتواكل منه ، فقد نفى عزوجل المساواة بين المجاهدين والقاعدين غير أولي الضرر ، من غير أن يبيّن جلّ شأنه جهة التفاوت صريحا ليذهب ذهن السامع أي مذهب.
وقدّم تعالى القاعدين لبيان أنّ فيهم جهة القصور لا من جهة مقابليهم ، ثمّ اردفه ببيان فضل المجاهدين وأنّه درجة ، ثمّ بيّن عزوجل أنّه درجات وأنّ فيه فضلا زائدا ، فكان المجاهدون هم المفضّلين ابتداء.
كما أنّه عزوجل قيّد المجاهدين بقوله : (فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) ، ثمّ بقوله : (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) ، ثمّ أطلقه عزوجل من غير تقييد ، كلّ ذلك لأجل التفنّن في العبارة ، والحثّ والتحريض ، وبيان هذا الأمر العظيم بأسلوب حسن يقبله الطبع ؛ لأنّ بذل أعزّ الأشياء عند الإنسان أمر ليس بالهين اليسير.
وبالجملة : الآية المباركة صريحة الدلالة على أفضليّة الجهاد ، وأنّ فيه الأجر العظيم ، وللمجاهدين منازل ودرجات في الآخرة ، وأنّ لهم مقام القرب عند الله عزوجل.
الثاني : يستفاد من قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) أنّ جهة التقصير إنّما كان من جهة القعود عن الجهاد ، ولعلّه السبب في عدم الاستواء بينهم وبين المجاهدين. ويفهم من تقييد القاعدين بكونهم غير أولي الضرر أنّهم على قسمين : من لا ضرر به لكن قعد للإذن له في ذلك ، أو لقيام من فيه الكفاية ، ومن به الضرر الّذي يمنعه من الخروج ولولاه لخرج ، والآية الكريمة مع كونها صريحة الدلالة في نفي المساواة بين القسم الأوّل وبين المجاهدين ،