والفاعل الحقيقي ، والملائكة والرسل والأعوان مباشرون قابضون للأرواح ، لكن السبب الكامل والعلّة التامّة هو الله تعالى.
والمراد بالظلم في المقام ظلم النفس بترك الهجرة في سبيل الله تعالى لنصرة الدين ، وترك إقامة شعائره عزوجل باختيار مجاورة الكفّار الّذين يمنعون من تعلّم معارف الدين والقيام بوظائف العبوديّة لربّ العالمين ، وبه يفسّر الظلم ، حيث يطلق كما في قوله تعالى : (أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ* الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً) [سورة الأعراف ، الآية : ٤٤ ـ ٤٥] ، وسورة هود ـ ١٩ ، فالمراد هو الإعراض عن دين الله تعالى وعدم نصرته وترك إقامته.
والمعنى : أنّ الّذين تتوفّاهم الملائكة بقبض أرواحهم حين استيفاء آجالهم ، حال كونهم ظالمين أنفسهم بترك الهجرة في نصرة الدين وتعلّم معارف سيد المرسلين وإقامة الشعائر ، فاختاروا المقام عند الكافرين والمشركين ورضوا بالذلّ والانظلام ، فلم يقدروا على القيام بوظائف العبوديّة ونصرة الدين.
قوله تعالى : (فِيمَ كُنْتُمْ).
أي : قالت الملائكة لهؤلاء الظالمين أنفسهم : في أي شيء كنتم من أمر دينكم ، ولما ذا تركتم إقامته.
وفي الآية المباركة من التوبيخ والإهانة للظالمين ما لا يخفى ، كما أنّها تدلّ على أنّهم لم يكونوا في شيء من الدين ، فكان الاستفهام توبيخا على شيء معلوم ، لا استعلاما عن شيء مجهول كما لا يخفى ، بل يمكن أن تكون الاستفهام للتقرير.
قوله تعالى : (قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ).
اعتذار منهم عن تقصيرهم في ترك الهجرة ونصرة الدين وإقامة شعائره ، وإن لم يكونوا على شيء من الدين ـ كما عرفت ـ فأجابوا بما يخفى حالهم ، فوضعوا السبب موضع المسبّب ، فقالوا : «كنّا مستضعفين في الأرض» الّتي كنّا نعيش عليها