قوله تعالى : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى).
أي : أنّ كلا الفريقين وعدهم الله تعالى المثوبة الحسنى وهي الجنّة ؛ لإيمانهم وحسن عقيدتهم وخلوص نيّتهم ، وإن اختلفا في الفضيلة والدرجة ، فإنّه لا يساوي القاعدون المجاهدين أبدا ، كما تدلّ عليه الآية الشريفة التالية.
ومن ذلك يعرف أنّه لا وجه لحمل القاعدين في هذه الآية الكريمة على التاركين للخروج إلى القتال عند ما لا حاجة الى الخروج ، لخروج غيرهم على حدّ الكفاية ، فإنّه خلاف ظاهر الآية الشريفة ، بل تدلّ على الوعد الجميل للمؤمنين جميعهم ، القاعدين والمجاهدين ؛ لئلّا تحصل لهم حالة الإحباط والكسل ، والمقام يستدعي إيقاظ الهمم والتحريض على القيام بأمر الجهاد والمسارعة إليه والتسابق فيه ، ولا ينافي تقديم إحدى الطائفتين على الاخرى.
قوله تعالى : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً).
تحريض آخر ، وفيه التأكيد وبيان لقوله تعالى : (دَرَجَةً) ، وإنّما ترك عزوجل القيود الّتي ذكرها في ما تقدّم لإغناء حرف التعريف في «المجاهدين» عنها.
أي : فضّل الله تعالى المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين من غير أولي الضرر أجرا عظيما.
وفي الآية الشريفة تأكيد آخر إلى الجهاد في سبيل الله تعالى ، بعد وعد الله عزوجل الكلّ المثوبة والجزاء الحسن. وفيها الإشارة إلى عدم الاكتفاء بالوعد الحسن الّذي وعد الله المؤمنين به ، فإنّ للوعد منازل ودرجات ، ويتفاوت المؤمنون فيها ، ولا يمكن أن ينال تلك المنازل والدرجات العالية المتفاوتة إلّا بالجهاد الّذي به تقام أركان الدين والشريعة ويزهق الباطل ، فللمجاهدين الفضل العظيم ، والتقرّب الخاص ، والمنزلة الرفيعة ، فلا يستهان بهم لبذلهم أموالهم وأنفسهم في سبيله وإعلاء كلمة الله تعالى ، فلا ينبغي التكاسل في نيل تلك المقامات السامية ، ولا التهاون بالبعد عن الوصول إلى تلك الدرجات العظيمة ، فإنّ الإيمان الكامل لا