قوله تعالى : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ).
سجيّة اخرى لتلك الطائفة الّتي اتّصفت بالنفاق ، ويمكن أن تكون الآية المباركة في مقام بيان طائفة اخرى من طوائف المجتمع الإسلامي ، الّتي تكون ضعيفة في التنظيم تقبل كلّ أمر يرد عليها ، سهلة الانقياد للإشاعة ، تبثّ كلّ ما تسمعه دون تحفّظ وتدبّر ، فلا انتظام لها في شؤونها ، فكانت تذيع كلّ ما يرتبط بالأمن أو الخوف ونحوهما ، ممّا يرتبط بشئون الأمّة والمجتمع المسلم.
وإنّما اقتصر على الأمن أو الخوف لأهمّيّتهما ، فيشيعون بالأخبار الكاذبة ما يوجب تزلزل الأمن في موضع الاستعداد والأهبة ، فتزول عنهم هذه الحالة ، أو يشيعون ما يوجب الخوف فيستعدون لمنازلة العدو وهم في غنى عنه ، فكم من إشاعة تلحق الضرر بالأمة.
والآية الكريمة في مقام التعيير والذمّ لهذه الطائفة في فعلتهم هذه ، وإن كانت حسنة النيّة فيما تفعل ولم تقصد إلى هذه النتيجة السيئة الّتي تترتّب على الإشاعة ، وهي الاضطراب والخلخلة في الصفوف.
ويستفاد من الآية الكريمة أنّ ما أشيع به لا حقيقة له ، بل هو من الأراجيف الّتي كان يبثّها أعداء الإسلام في صفوف الأمة المتراصّة ؛ لا يجاد الوهن في عزائمها ، ولعلّ هذه الحالة كانت موجودة في أكثر من واقعة ، فتنطبق على واقعة بدر الصغرى الّتي تقدّم الكلام فيها في سورة آل عمران ، كما ذكرها المفسّرون.
قوله تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ).
الضمير في (ردّوه) راجع إلى الأمر الشائع من الأمن أو الخوف ، وردّ الشيء ارجاعه وإعادته ، ويتضمّن معنى التفويض أيضا.
وأما أولو الأمر ، فقد اختلفوا فيهم كاختلافهم في المراد بهم في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [سورة النساء ، الآية : ٥٩] ، فقيل : هم أهل الرأي والمعرفة بالأمور العامّة والقدرة على الفصل فيها ، وقيل : هم