وَأَحِبَّاؤُهُ) [سورة المائدة ، الآية : ١٨] ، وقال تعالى أيضا : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) [سورة البقرة ، الآية : ١٣٥].
وهذه الآية الشريفة تشير إلى ما زعمه بعض المسلمين وأهل الكتاب على ما ورد في شأن نزولها ـ كما يأتي في البحث الروائي ـ وقد ردّ سبحانه وتعالى على جميع تلك المزاعم بأنّ الدين لا يقوم على الأماني ، وأنّها لا تؤثّر شيئا على الإطلاق ، بل الدين عقيدة وعمل ، وأنّ الجزاء العظيم الّذي وعده الله عزوجل لهم لا يمكن تحصيله بالتمنّي والغرور ، وأنّ الله تعالى لا يضيع عمل عامل منكم ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ.
وهذه الآية الشريفة من الدروس التربويّة للمسلمين ، وقد كانت نبراسا لهم حين ما اعتقدوا بالإسلام ، بأنّه دين عقيدة وعمل ، وأنّه منهاج تربوي عملي ، جعلوه تطبيقا عمليا لكلّ ما تضمّنه من تعاليم وقيم ومبادئ وتوجيهات ، فكانوا على عزّ وشرف وساد الوئام والتآلف والتعاون بينهم ، ولم يكن لأحد فيهم مطمع إلّا بتبليغ دينه بالقول والفعل ، ثمّ لما حوّلوا دينهم إلى مجرّد التمنّي وخرجوا بذلك عن الدين الحقيقي ودخلوا في الغثاء الّذي تحدث عنه الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله ، اشتدّ الخلاف بينهم وضعفت مكانتهم ونزل قدرهم وطمع فيهم أعدائهم ، ووصلوا إلى ما هم عليه الآن من التفرقة والتشتت والخلاف ، فلم يبق من الإسلام إلّا اسمه ومن الكتاب إلّا رسمه ، ولن يعودوا إلى مكانتهم ووضعهم الّذي أراده الله تعالى ورسوله الكريم صلىاللهعليهوآله إلّا بالخروج عن هذا التمنّي والدخول في الدين الحقيقي والواقع العملي المحسوس.
والأماني في قوله تعالى : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِ) تقرأ بالتشديد والتخفيف ، وهي جمع أمنية على أفعولة ، وهي الصور الخياليّة الّتي تحصل في النفس وتستلذّ بها كلّما ذكرتها ، وإنّها قد تكون عن تخمين وظنّ وقد تكون عن روية وأصل ، ولكن لما كان أكثرها عن تخمين وظنّ صار إطلاقها أكثر على ما لا حقيقة