قوله تعالى : (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَ).
الفتيا والفتوى واحدة ، يقال : أفتاه إفتاء ، وأفتيت فلانا رؤياه إذا عبّرتها له. والمعنى : يطلبون منك تبيين الأحكام الّتي أشكلت على أفهام في النساء ممّا يجب لهن وعليهن مطلقا. قل : يا محمد إنّ الله يفتي فيهن ، فقد أنزل فيهن من الأحكام ما يعلو به شأنهن وقدرهن وما يوجب سعادتهن وسعادة المجتمع ، فإنهنّ من أحد عموديه ، ولا يمكن أن يسعد مجتمع ويشقي أحد عموديه.
قوله تعالى : (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَ).
التلاوة القراءة بعناية ، وتقع وصفا للفظ ، وقد يوصف المعنى بها أيضا كما في المقام ، أي : الأحكام المتلوة.
والآية المباركة بيان لعظمة شأن المتلو من الأحكام الّتي تتلى في القرآن الكريم في شأن النساء ، وبالجملة : بيان لما سبق ، أي : أنّ الله يفتيكم فيهن بما أنزله عزوجل من الآيات الّتي تضمّنت من الأحكام الّتي تستفتون عنها وعن غيرها.
وتبيّن الآية الكريمة أحد الأحكام المهمّة في النساء ، فقد ذكر فيها حكم يتامى النساء والازدواج بهن ، وإنّما أفردهن عزوجل بالذكر لأنّهن يستحقن العطف أكثر من غيرهن ليتمهن ، ولتوجّه الظلم إليهن أكثر ، فإنّ أهل الجاهلية كانوا لا يرثون الصغير ولا المرأة ، وكان الإرث عندهم منحصرا بمن قاتل والحريم لا قتال عليهن.
وجملة : «اللاتي لا تؤتونهن» وصف ليتامى النساء اللواتي كن يعانين من الحرمان والشقاء ، فقد كان لأهل الجاهليّة عادات سيئة وأحكام جائرة فيهن ، فكانوا يحتفظون بيتامى النساء وأموالهن ، فإن كانت ذات جمال وحسب تزوّجوا بهن واستمتعوا بجمالهن ومالهن ، وإن كانت دميمة شوهاء عضلوها عن الزواج