تُحْشَرُونَ) [سورة المجادلة ، الآية : ٩] ، فإنّ الإثم والعدوان إنّما يتحدّث عنهما في السرّ ، دون الخير فإنّه يتحدّث عنه في الملأ.
قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)
إرشاد إلى أنّ الخير في كلّ نجوى واقع بين الطرفين أو أكثر لا بدّ أن يكون باعثا لهذه الأمور الثلاثة ، وهي الصدقة ، والمعروف ، والإصلاح بين الناس ، وعلى هذا فالاستثناء متّصل ، أي : أنّه لا خير في النجوى ، بل الخير فيه ما كان باعثا إلى هذه الأمور المذكورة في الآية الكريمة.
وقيل : إنّ الاستثناء منقطع على معنى لكن من أمر بصدقة أو معروف.
وكيف كان ، فهذه الأمور الثلاثة هي مجامع الخير الّتي يحتاج إليها في تنظيم أمور معاشهم ومعادهم ، وإنّها هي الّتي يحتاج فيها إلى النجوى ، وغيرها لا خير فيها.
وإنّما ذكر عزوجل هذه الأمور الثلاثة ؛ لأنّ كمالها إنّما يكون بكتمانها والتعاون عليها سرّا وجعلها نجوى.
والصدقة هي العطيّة المتبرّع بها الغير بقصد القربة. والمعروف : ما يعمّ أعمال البرّ كلّها ، والإصلاح بين الناس : هو رفع الاختلاف وإلقاء المودّة بينهم ، وتقدّم أنّ هذه الأمور الثلاثة هي الجامعة لجميع أبواب الخير ، وهو إمّا أن يكون فيه إيصال نفع إلى الغير ، وهذا على قسمين ، فإمّا أن يكون النفع جسمانيّا ومادّيا ، وهي الصدقة. وإمّا أن يكون معنويّا وروحانيّا ، وهو المعروف. وإمّا أن يكون الخير دفع المضرّة عن الغير ، وهو الإصلاح بين الناس.
وإنّما قدّم الصدقة على المعروف والإصلاح ؛ لأنّ الأمر فيها أشقّ ، فإنّ فيها بذل المال الّذي هو شفيق الروح ، بل عن عليّ عليهالسلام : «ينام الإنسان على الثكل ولا ينام على حرب».