والنجوى : السرّ بين الاثنين ، وناجيته ، أي : ساررته ، تقول : ناجيت فلانا مناجاة ونجاء ، وهم ينتجون ويتناجون ، ونجوت فلانا انجوه نجوا ، أي : ناجيته ، وهو من نجوت السرّ أنجوه ، أي : خلصته وأفردته ، ومنه نجوّة الأرض ، أي المرتفع منها لانفراده بارتفاعه عمّا حوله. فالنجوى المسارّة مصدر ، وقد تسمّى به الجماعة ، كما يقال : قوم عدل ورضا ، قال تعالى : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) [سورة الإسراء ، الآية : ٤٧] ، أي : متناجون ، وفي الحديث : «دعا رسول الله صلّى الله عليه والله عليّا عليهالسلام يوم الطائف فانتجاه ، فقال الناس : لقد طال نجواه ، فقال : ما انتجيته ولكن الله انتجاه» ، أي : أنّ الله تعالى أمرني أن أناجيه. وفي الدعاء : «اللهمّ بمحمّد نبيّك وصفيّك ، وبموسى نجيّك» ، أي : المناجي والمخاطب معك.
والضمير في (نَجْواهُمْ) يعود إلى القوم المختانين أنفسهم ، الّذين يبيّتون ما لا يرضى من القول ، والّذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله تعالى ، وقد غلب الشرّ عليهم فلا خير فيهم ، لا في أفعالهم ولا أقوالهم ولا في مناجاتهم فيما بينهم.
وإنّما عبرّ عزوجل ب (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ) ؛ لأنّ ما تناجوا فيه من الأمور الّتي نفى عنها الخير ، فلا يحتاج إلى النجوى فيها ، أو لأنّ النجوى إن كان راجعا الى شؤونهم الخاصّة الّتي لا ربط لها بإبطال الحقّ وإحقاق الباطل ، فليس داخلا في مضمون الآية الشريفة ، وهي قليلة عندهم. أو أنّ نفي الخير عن الكثير راجع إلى نفي الخير كلّه ، باعتبار أنّ الكثير إذا لم يكن فيه الخير فقليله لا ينفع ؛ لأنّ النجوى مظنّة الإثم والعدوان ، قال تعالى : (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [سورة المجادلة ، الآية : ١٠] ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ