وكيف كان ، فإنّ الآية الشريفة تصوّر الحالة النفسيّة للمستضعفين بأنّهم قد ضاقت بهم الحيل وعميت عليهم الطرق ، فلم يهتدوا إلى سبيل وحيلة يمكنهم التوسّل بها إلى الخروج من دار الشرك وأرض الكفر والهجرة إلى دار السلام لإقامة الحقّ.
ولم يبيّن عزوجل تلك الحيل والسبل ، فهي إمّا المرض ، أو الزمانة ، أو الفقر ، أو الجهل بمسالك الأرض ، أو لا يهتدي إلى حيلة يدفع بها الكفر ، ولا يهتدي سبيلا الى الإيمان ، فهو لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر كالصبيان ، ولا يقدرون أن يحتالوا حيلة لدفع ما يتوجّه إليهم من استضعاف المشركين عن أنفسهم ، ولا يهتدون سبيلا للتخلّص منهم والفرار عنهم. وجميع هذه المعاني صحيحة ؛ لعموم الآية المباركة الشامل لكلّ الحيل الظاهريّة والباطنيّة.
والمستضعف على قسمين ، ادعائي وواقعي ، والثاني هو مورد العفو دون الأوّل ؛ لأنّه جلّ شأنه مطّلع على الواقعيّات ، فله العذر عن الهجرة ، ويجري حكم هذه الآية المباركة إلى يوم القيامة ، فمن تمكّن في هذه الأعصار من المسلمين من الخروج من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام وتعلّم معالم دينه والعمل بها ولم يفعل ، فهو من القسم الأوّل.
والسبيل الحسّي كالطرق ومسالك الأرض ، والمعنوي هو : كلّ ما يخلّصهم من أيدي المشركين من أنواع الحجج والمعارف ـ وقد ورد في بعض الروايات في الثاني ـ أو المانع الخارجي كالمرض والهرم وغيرهما ، قال تعالى : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) [سورة التوبة ، الآية : ٩١] ، والنصيحة لهما هي الطاعة لهما سرّا وعلانية.
والآية الشريفة تدلّ على أنّ الجهل بدين الله تعالى وأحكامه المقدّسة إذا كان عن قصور وضعف ، ليس للمكلف فيه صنع ولا اختيار ، فهو عذر عند الله تعالى. أمّا غير ذلك فهو ظلم لا يقبله الله جلّ شأنه من أحد ولا يرضى به.