الفلاسفة المادّيين ، لما عرفت من أنّ حبّ الخلود لا يكون عبثا ، بل مستندا إلى خلق ، وأنّ هوى النفس لا تستطيع أن تكون منشأ لذلك الذعر العظيم والحبّ الواقعي.
وهذا الحبّ والذعر من الموت لا يتغيّر ولا يختلف في أدوار العمر الّذي يمرّ على الإنسان ـ الّذي هو أوسع فكرا وإحساسا من بقية الكائنات الحيّة ـ فإنّه مهما بلغ من الشيخوخة يخاف الموت ويحبّ البقاء ، وإن كانت الدواعي مختلفة.
نعم ، قد يكون في الموت جانب من الراحة ، فيتمنّى الإنسان الموت كما يتمنّى التعبان الراحة ، ولكن ذلك لأجل عامل خارجي ، كفقد الإحساس وسيطرة المرض أو غير ذلك ، قال الشاعر :
وإذا الشيخ قال أف فما ملّ |
|
حياة وإنّما الضعف ملّا |
آلة العيش صحّة وشباب |
|
فإذا وليا عن المرء ولى |
ولكن أولياء الله تعالى الّذين تقرّبوا إلى الملأ الأعلى وذاقوا طعم الحياة الأبديّة والعيش السرمديّ ، ووصلوا إلى الروح والراحة يستوحشون من هذا العالم ولا يهابون الموت ، فإنّهم علموا أنّ ما (عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٩٨] ، وإن كانوا يحزنون من الاستكمال المعنويّ في هذه الدنيا.
وقد كتب ابن مسكويه رسالة في علاج الخوف من الموت لغير أولياء الله تعالى ومن شاء فليرجع إليها ، وتقدّم في البحث العرفاني في آية ـ ١٧٥ من سورة آل عمران ما يرتبط بالمقام.
أنواع الموت :
الموت يقع حسب أنواع الحياة : فمنها إرادي وهو إماتة الشهوات وترك التعرّض لها ، كما أنّ الحياة الإراديّة ما يسعى لها الإنسان في الحياة الدنيا من المآكل والمشارب وغيرهما للعيش.