الأمّة ، فقد صدرت من اليهود وغيرهم ، قال تعالى : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [سورة البقرة ، الآية : ١١٨].
والمعنى : وإن تصبهم بلية كالمرض والقحط وغيرهما يتشاءمون بك يا رسول الله ؛ لجهلهم وضعف عقيدتهم بك.
قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ).
بيان لحقيقة من الحقائق الواقعيّة الّتي أمر عزوجل رسوله الكريم صلىاللهعليهوآله بتبليغها إلى أولئك ، وهي أنّ كلّ ما يحدث في هذا العالم لا يحدث إلّا بقدر الله تعالى وقضائه ، ويدخل في نظام كوني دقيق متقن ، وكلّ ما يصيب الإنسان من حسنة أو سيئة هو من عنده جلّت عظمته ، لا من غيره ، فهو عزوجل يقبض ويبسط ما يشاء.
وهذه الحقيقة تملأ مشاعر المخلصين المؤمنين ، ولا بدّ أن تستقرّ في أفكار غيرهم حتّى يكمل إيمانهم ويستقرّ في قلوبهم وترتاح خواطرهم وتطمئن نفوسهم ، ولكن ليعلم أنّ هذه الحقيقة لا تنافي قانون الأسباب والمسبّبات ، ولا تمنع الإنسان من اتخاذ الأسباب ، كما ذكرنا ذلك في أحد مباحثنا السابقة.
قوله تعالى : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً).
تنديد لهؤلاء الّذين يظنّون ظنّ الجاهلية بأسلوب يقرع سمعهم ويوبخهم باستفهام ينكر عليهم مقالتهم ، ويصفهم بأنّهم لا يفقهون حديثا على الإطلاق ؛ لأنّه غابت عنهم تلك الحقيقة الكبرى الّتي يدركها كلّ من رجع إلى نفسه والى ما يحيط به من الحوادث ، فماذا أصاب عقولهم من فهمها ، ولما ذا خمدت فطنتهم وتاهت فطرتهم؟! وقد نبّههم الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله بتلك الحقيقة ، والّتي بها يزيل عنهم كلّ شكّ وريب ، ولكنّهم أعرضوا عن ذلك وشغلوا فكرهم بمتاع الحياة الدنيا ، حتّى عدّوا كالبهائم الّتي لا فهم لها بما يحيط بها من صروف الدهر.