قوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ).
شرح لتلك الحقيقة وبيان لها ببيان واضح جلي. وردّ على مقالة تلك الطائفة الّتي ينسب الشرّ إلى الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله تطيّرا منهم به ، أو لأغراض اخرى خبيثة مثل تنفير الناس عنه ، أو التجريح في قيادته ونحو ذلك.
وقد أعرض عزوجل في هذه الآية الكريمة عن خطابهم لسقوط فهمهم ، كما أنّها تصحّح وتوضّح لهم معالم تفكيرهم ، فإذا ضممنا هذه الآية الشريفة إلى سابقتها ، تبيّن القاعدة العريضة في الإسلام في نسبة الحوادث الكونيّة مطلقا إلى الله تعالى والى الإنسان ، فإنّ الآية الأولى تبيّن أنّ كلّ ما يقع من الحوادث الحسنة والسيئة إنّما هي بتقدير الله تعالى وقضائه ، وهذه الآية الكريمة تبيّن أنّ كلّ حسنة وخير يصيب الإنسان من عافية أو نعمة أو أمن أو رفاهية وغيرها ، فإنّما هي من الله تعالى وبفضل منه جلّ شأنه ، الّذي سخّر لنا الأرض وما عليها ، وهيّأ لنا أسباب الانتفاع منها ، ومنح لنا القدرة على ذلك. وأما السيئات فإنّما هي آثار الأعمال الّتي يعملها الإنسان ، وقد وضع قانونا متينا يوضح لنا المنهج ، فهو تعالى يعلم الخير وخصوصياته كما يعلم الشرّ وأسبابه ، ويعلم أين يكمن كلّ واحد منهما ، وبمقتضى علمه الأتم وضع لنا منهجا ربانيّا يوضح لنا طريقا يحقّق لنا خير الدنيا والآخرة ، فمن اتبع هذا المنهج فقد جلب الخير لنفسه وتحقّق مقصده ، وأمّا من خالف وأعرض عن ذلك فقد جلب الشرّ لنفسه ، ويكون من عند نفسه لعدم اتباعه شريعة الله تعالى ومنهجه القويم ، ومن ذلك يتّضح ما في هذه الآية الشريفة من دلالة حكيمة ، فهي تبيّن أنّ الحسنة من الله جلّ شأنه ، والسيئة من عند الإنسان ، فلا تعارض بين هذه الآية وسابقتها ، فإنّ الجميع إنّما يكون بمشيئة الله تعالى ، ويبيّن ذلك قوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ