فسحة الحال ورفع الشدائد الّتي توجّهت على المؤمنين من ظالم غاشم ، نسأل الله تعالى الفرج بحوله وقوّته جلّ شأنه.
الرابع : يدلّ قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) على أنّ صرف العبد نفسه بكلّيتها لله تعالى وتسليمها إليه ، بحيث يعرض عن الأغيار حتّى صار مشاهدا للجمع في عين التفصيل ـ من أعلى المراتب الّتي يمكن أن يبلغها البشر ، وبها يستعد أن يصل إلى مقام الخلّة ، ولا يمكن الحصول عليه إلّا باتّباع ملّة إبراهيم عليهالسلام الّذي حاز على هذا الوسام الإلهي لاجتيازه كلّ تلك المراحل الّتي يأتي بيانها.
بحث روائي :
عن علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) يعني : «ليس ما تتمنّون أنتم ولا أماني أهل الكتاب أن لا تعذّبوا بأفعالكم».
أقول : الروايات في ذلك كثيرة من الفريقين ، والمستفاد منها أنّ العذاب والثواب لا يكونان إلّا على الكفر أو الإيمان والعمل الصالح كما مرّ ، وليس لأحد التحدّي في سلطانه تعالى ، وأنّه ليس لأحد ولا لأمّة التقرّب عنده عزّ اسمه إلّا بالتقوى ، فما قالته قريش : لا نبعث ولا نحاسب ، وما قالته اليهود والنصارى : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [سورة البقرة ، الآية : ١١١] ، أو : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) [سورة البقرة ، الآية : ٨٠] ، كلّها مجرّد أوهام لا واقع لها ، بل هو يعذّبكم ويثيبكم بأفعالكم وأعمالكم ، وأنّ الإيمان ليس بالتحلّي ولا بالتمنّي ، وإنّما الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل كما تقدّم ، وأنّ التمنيات من سبل الشيطان فلا بدّ من نبذها.