المادّية الّتي تؤول إلى التفكّك والبعد بينهم وبين المؤمنين ، فلا يتمنّون ما لا ينبغي لهم أن يتمنّوه ، فإنّ قصدهم كان لأجل حطام الدنيا الّتي تؤول إلى الزوال.
الخامس : يدلّ قوله : (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) على أنّ القتال في الإسلام إنّما يكون في سبيل اللّه ، ولا يقوم بهذه المهمّة إلّا من باع الحياة الدنيا الفانية الزائلة بالآخرة الباقية الدائمة ، فالآية الكريمة على إيجازها البليغ تتضمّن جميع جوانب الجهاد والقتال في الإسلام من العلّة الفاعليّة ، وهي المؤمنون الّذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ، والعلّة الغائيّة وهي طلب رضاء اللّه تعالى والسعي في سبيله ، وقد عدّ عزّ وجلّ في المقام من وجوه سبيل اللّه تعالى القتل والغلبة ، وإنقاذ المستضعفين من المؤمنين. والعلّة الصوريّة وهي النفر ثباتا أو النفر جميعا وفق الظروف الحربيّة ، والعلّة المادّية وهي الحذر والاستنهاض في الاستعداد بجميع صوره ، وسيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام في الجهاد في الإسلام إن شاء اللّه تعالى.
والآيات الشريفة تتضمّن الأسس التربويّة في هذا المضمار ، وكلّ ما يتطلبه الوضع الحربي من إعداد النفوس وتقويتها واستنهاضها للقتال ، وطلب العون والنصرة من اللّه العلي القدير ، وأدب الدعاء من الخضوع والخشوع لدى جنابه ، فهي من الآيات المعدودة الّتي تشتمل على جميع ما يتطلبه الحرب والجهاد ، كما هو المعروف.
السادس : يدلّ قوله تعالى : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) على وجود الضعف في كيده دائما بل هو لازم ذاته ، وتتضمّن الآية الكريمة نكتة لطيفة قرآنيّة ، وهي أنّه سبحانه وتعالى وصف كيد النساء بالعظمة ، قال تعالى محكيّا عن عزيز مصر : (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) [سورة يوسف ، الآية : ٢٨]. ووصف كيد الشيطان في هذه الآية المباركة بالضعف.
ولكن الضعف إنّما يكون في جنب نصرة اللّه تعالى لأوليائه وحفظه لهم ، كما