وبأحد هذه الوجوه يمكن رفع التكرار ، مع أنّه لا تكرار لاختلاف الموردين ، فراجع تفسير الآية الكريمة المتقدّمة أيضا.
قوله تعالى : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً).
بيان للآية المباركة السابقة ؛ ولذا ترك العطف بينهما. ومادة (أن ث) في جميع اشتقاقاتها تدلّ على الانفعال والتأثّر ، يقال : أنث الحديد أنثا ، أي : انفعل وتأثّر فلان. وأنّث المكان إذا تأثّر وأسرع في الإنبات وجاد ، وسمّى الأنثى من الحيوان أنثى لأنّها المنفعلة ، كما أنّ الأصنام والأوثان وكلّ معبود دون الله تعالى سمّيت إناثا لكونها منفعلات قابلات ، ليس في وسعهن أن يفعلن أمرا ، وعاجزات لا تدفع عن أنفسهن شيئا ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ* ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [سورة الحج ، الآية : ٧٣ ـ ٧٤] ، وقال تعالى في حقّهن : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً) [سورة الفرقان ، الآية : ٣] ، ويستفاد من هذه الآيات المباركة انفعال كلّ مخلوق ما سوى الله تعالى ، فإنّ الله هو القوي العزيز وما سواه ضعيف عاجز لا يملك لنفسه شيئا ؛ لأنّ الموجودات بإضافة بعضها إلى بعض ثلاثة أقسام : فاعل غير منفعل أصلا ، وهو الله سبحانه وتعالى فقط. ومنفعل غير فاعل ، وهو الجمادات. وفاعل من وجه ومنفعل من وجه آخر ، كالملائكة والإنس والجنّ ، فإنّهم بالإضافة إلى الله منفعلة لكونهم مخلوقين ، وبالإضافة إلى مصنوعاتهم فاعلة.
ويؤيّد ما ذكرنا أنّ العرب كانت تصف كلّ ضعيف بالأنوثة ، ولعلّ تسميتهم لمعبوداتهم بأسماء الأنثى لكونها جمادات منفعلة لا فعل لها ، كما حكى سبحانه وتعالى عنها في القرآن الكريم ، وهو جلّت عظمته يذكّرهم بانفعالها وينبّههم على جهلهم وعدم قدرتها ؛ ليظهر بطلان ألوهيتها.