وقد شرّع الله تعالى الجهاد ـ الّذي هو من أفضل العبادات وأسماها ـ لردّ هذا الظلم ، وهو يختلف ، فتارة يكون مع أعداء الله تعالى في ساحة القتال ، واخرى يكون بالهجرة إلى دار الإسلام الّتي يقام فيها شريعة الله تعالى ولا يكون فيها ظلم ، فعدم تطبيق شريعة الله تعالى يعتبر عند الله ظلما ولا يمكن أن يرضى به عزوجل ، ومن يرضى به فهو ظالم لنفسه وله العذاب الأليم ؛ لما حرّم نفسه من نعمة العمل بالشريعة في الدنيا فأورد نفسه مورد الهلاك في الآخرة ، إلّا من أعيت به المذاهب وتقطّعت به السبل وأحاط به أعداء الله تعالى أعداء الحقّ واستضعفوه بالعذاب والفتنة ، أو كان مستضعفا بسيطرة الغفلة عليه ، فإنّها تسلب القدرة وتسدّ الأبواب عليه ، وقد ورد عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام : «الّذي لا يستطيع حيلة ويدفع بها عنه الكفر ، ولا يهتدي سبيلا إلى الإيمان ، فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر» ، وهو المستفاد من إطلاق الآية الشريفة الواردة مورد البيان للمستضعف ، الشامل لما هو الممنوع عنه بسطوة الكفّار والأعداء ، أو المغفول عنه لاستيلاء الكفر على الأفكار والعقول.
وبالجملة : كلّ ما يكون الفعل مستندا إلى فعل المكلف نفسه واكتسابه فهو غير معذور ، وأمّا إذا لم يكن كذلك فهو معذور ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٨٦] ، فالجهل عذر إذا لم يكن عن تقصير من المكلّف ، وإلّا فليس الجاهل معذورا ، ولا فرق في المعذوريّة بين أن تكون بسطوة جبّار كافر ، أو باستيلاء الغفلة عليه.
والحاصل : فإنّ المستضعف لا يطلق على من بلغته الحجّة وسمعتها أذنه ووعاها قلبه وفهمها وأمكنه إقامة دينه ، فمن كان كذلك فهو ليس بمستضعف وإن ادّعاه واعتبر نفسه منهم ، وإلّا فهو مستضعف.
قوله تعالى : (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ).
بيان أنّ المستضعفين الموصوفين بما تقدّم من صفات العجز ، لا شيء عليهم ؛