وقد اختلف المفسّرون في معنى ذلك ، فقيل : إنّه السلاح ، بحذف المضاف ، أي : آلة حذركم ، والمروي عن أبي جعفر عليهالسلام : «خذوا عدّتكم من السلاح». ولكن عطف السلاح على الحذر في غير هذه الآية الكريمة يقتضي المغايرة ، قال تعالى : (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) [سورة النساء ، الآية : ١٠٢].
وعن بعض : (خُذُوا حِذْرَكُمْ) أي : ما فيه الحذر من السلاح ، وقيل غير ذلك.
وكيف كان ، لا اختلاف بين الأقوال ، فإنّ الحذر من العدو يستلزم الاحتراس والاستعداد ، ويختلف ذلك فقد يكون بالقول كالكناية ونحوها ، أو بالفعل ، كمعرفة حال العدو ومعرفة وسائل كيده ومعرفة أماكنه. وقد يكون بالاستعداد كجمع السلاح وتهيأة العدّة ، وهو المراد في المقام بقرينة الآيات التالية ، وما ورد في تفسير الآية المباركة من الأئمة المعصومين عليهمالسلام ، فيكون المعنى : خذوا حذركم من العدو واحترزوا منهم واستعدوا لهم واحترسوا منهم ، ومن المعلوم أنّ أخذ الحذر منهم يستلزم معرفة أحوالهم وسبل كيدهم ، كما يستلزم معرفة ما يحترس به وما يتحذّر به من أنواع السلاح وكيفية استعمالها ، وغير ذلك ممّا هو داخل في تثبيت الحذر منهم.
قوله تعالى : (فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً).
بيان لما أمره عزوجل باتّخاذ الحذر من العدو بالتهيّؤ التامّ للخروج إلى الجهاد والحرب مع أعداء الله تعالى ، فيكون المراد من الحذر التهيّؤ والاستعداد للحرب والقتال ، ومنه أخذ السلاح وحمله ، كما عرفت.
ومادّة (ن ف ر) تدلّ على الانزعاج عن الشيء كالفزع ، قال تعالى : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) [سورة الإسراء ، الآية : ٤١] ، أي : ينفرون على القرآن الى غيره ، وفي الحديث : «بشّروا ولا تنفّروا» ، أي : لا تلقوهم بما يحملهم على النفور. والنفر في الجهاد إنّما يكون إلى الحرب لا عنها ، وقد