نظره ، فقد يختار ما هو خير لنفسه وهو في الواقع شرّ لها ، قال تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٦] ، ولا يقدر الإنسان أن يميّز الخير من الشرّ إلّا بإطاعة الله وطاعة رسوله ، ومن تولّى عن ذلك يقع في السوء والسيئات ، ولا يكون إلّا من سوء اختياره ؛ لأنّه أعرض عن نظام الأسباب والمسبّبات الّذي جعله الله عزوجل وسيلة لنيل الخير والحسنات. والرسول صلىاللهعليهوآله ليس له سلطان على ردعه عن ذلك وإكراهه على الوصول في الطاعة ، فإنّ ذلك ليس من سنّة الله تعالى في النظام التشريعيّ ، فكانت هذه الآية المباركة بمنزلة الشرح للآية الكريمة السابقة ، فسبحان من أحكم آياته.
التاسع : يستفاد من قوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) شأن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله ومنزلته عند الله تبارك وتعالى ، حيث لم يفصل بين طاعة الرسول صلىاللهعليهوآله وطاعة نفسه جلّت عظمته ، فجعل طاعته إطاعة لنفسه عزوجل ، ولم يرد مثل هذا الشأن والمنزلة في سائر الأنبياء.
العاشر : يدلّ قوله تعالى : (وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) على نظرية الإسلام في الطاعة والإيمان ، فإنّها تنفي الطاعة عن القهر والإكراه ، ولا تؤمن إلّا بالإيمان الصادر عن الاختيار ورضاء النفس ، ويستفاد من قوله تعالى : (حَفِيظاً) ، أن إحساس الشخص بكونه مراقبا وحفيظا عليه ـ يجبره على الإيمان والطاعة ـ يجعله ذليل النفس ويخمد وجدانه عن الإحساس بالمسؤوليّة والتكليف عنده ، ففي الإسلام لا يكون الرسول صلىاللهعليهوآله حفيظا حتّى لا يشعر الفرد بذلك ، وهذا ما أثبته علماء التربية في العصر الحديث ، وقد سبقهم الإسلام بقرون كثيرة ، فقالوا إنّ الطاعة الصادرة عن الحرية والاختيار ترفع طبع الإنسان ، وأمّا الإذعان الناشئ عن القهر يحطّه ويستلزم إخماد الوجدان في نفسه ، لا سيما إذا طال أمد القهر ، فإنّه