بالسير والسلوك ، وتحجب عن مشاهدة التجلّيات وهو جمال الحقّ ، فحسن الأعمال نتائج حسن الأحوال من صلاح القلب والتوجّه إلى الله ، وبذلك تصلح الهجرة والرحيل ، (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ) ، أي : بيت بشريته بترك الدنيا وقمع الهوى (مُهاجِراً) الى التقرّب به جلّ شأنه بمبايعة رسوله ، (ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) قبل وصوله إلى مطلوبه ومسعاه ، (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ) ، أي : بذمّة كرمه وفضله ورحمته فيبلغه إلى أقصى مقاصده إن كان المانع أجله ، «فإنّ نيّة المؤمن خير من عمله» ، و «يحشر الناس على نيّاتهم» ، هذا إذا لم يأت بما يوجب بطلان الهجرة والبعد عن تشرّف الوصلة بالتقرّب إليه ، (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) للذنوب خصوصا ذنب أنانيّة الوجود ، (رَحِيماً) بتجلّي صفة جوده حتّى يبلغ العبد إلى كمال مقصوده ومسعى غايته بمنّه وجوده وكرمه.
بحث فقهي :
يستفاد من الآيات الشريفة الأحكام الفقهيّة التالية :
الأوّل : يستفاد من قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ) ، أنّ الجهاد واجب كفائي يسقط عن أولي الضرر ، وعمّن تقوم به الكفاية ، وإلّا لما كان القاعد لا لضرورة غير آثم ، ولما استحقّ الوعد الحسن ، وتدلّ الآية الكريمة وغيرها على أفضليّة الجهاد في سبيل الله تعالى ، والأخبار في ذلك كثيرة.
الثاني : يدلّ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) ، على وجوب المهاجرة من أرض لم يتمكّن فيها من إقامة الشريعة ، بلا فرق بين أن تكون الإقامة فيها موجبه