لارتكاب محرّم أو ترك واجب ، فإنّه محرّم أيضا ، ويدلّ عليه بعض الأخبار ، ففي صحيح محمد بن مسلم عن الصادق عليهالسلام : «في رجل أجنب ولم يجد إلّا الثلج أو ماء جامدا ، قال عليهالسلام : يتيمم به ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض الّتي توبق دينه» ، فإنّ عموم العلّة يشمل جميع ما ذكرناه. ويدلّ على العموم أيضا قوله عليهالسلام : «من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كانت شبرا من الأرض استوجبت له الجنّة وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيّه محمد (صلوات عليهم عليهما) ، فالمهاجرة واجبة على كلّ من لم يتمكّن من إقامة دينه ، أو كانت الإقامة موبقة لدينه ويسقط الوجوب لو كان له ظهر يحميه من المشركين من عشيرة ونحوها ، فيمكنه إظهار إيمانه ويكون آمنا على نفسه.
ويظهر ممّا ذكرنا أنّ الآية المباركة عامّة لا تختصّ بعصر النزول ، وأنّ وجوب الهجرة باق ما دام المقتضي موجودا ، وهو الكفر والشرك وعدم التمكّن من إقامة شعائر الإسلام. وأمّا الحديث المروي عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «لا هجرة بعد الفتح» ، فإنّه محمول على نفي وجوب الهجرة عن مكّة المكرّمة بعد فتحها ؛ لأنّها صارت من بلاد الإسلام ، ولإمكان إقامة الشعائر فيها كما في كلّ بلاد الشرك إذا فتحت ودخل أهلها في الإسلام ، فإنّه لا يجب الهجرة منها لعدم المقتضي.
ويستفاد من الآية الشريفة استحباب الخروج من أرض يعصى الله تعالى فيها ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) [سورة العنكبوت ، الآية : ٥٦] ، وفي الحديث عن أبي عبد الله عليهالسلام : «إذا عصي الله في أرض وأنت فيها فأخرج منها إلى غيرها» ، المحمول على الاستحباب.
وهل تشمل الآية الكريمة الهجرة من الأرض الّتي لا يتمكّن فيها من إقامة شعائر الإيمان؟ فيه بحث مذكور في الكتب المفصّلة.
الثالث : يستفاد من إطلاق الآية المباركة أنّ الهجرة باقية مادام الكفر باقيا ،