تتضمّن أيضا نفي المساواة في الثاني ، وقيّدهم بكونهم من المؤمنين ؛ لبيان أنّ قعودهم عن الجهاد لا يخرجهم عن الإيمان ، وللإشعار بقلّة استحقاقهم للثواب والعاقبة الحسنى في ما سيأتي.
الثالث : يستفاد من قوله تعالى : (وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) أنّ سبب استحقاقهم لهذا الفضل العظيم إنّما هو الجهاد ، وأنّ القعود إنّما كان عنه ، وقد ترك التصريح به في صدر الآية الشريفة رعاية للمجاهدين واهتماما بشأنهم وفضلهم على القاعدين وعلو رتبتهم ، كما يستفاد ذلك من القيود الاخرى.
وإنّما قيّده بكونه في سبيل الله تعالى ؛ لبيان أنّه السبب في فضلهم ورفع شأنهم ، كما يستفاد من القيود الاخرى أنّ لها المدخليّة في ذلك كلّه.
الرابع : يدلّ قوله تعالى : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) على أنّ كلّ من به ضرر في البدن أو المال يسقط عنه الجهاد ، ويفسّره قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، فيشمل كلّ عاجز عن الجهاد وما يمنع عن الخروج إليه ، فلا يكون الجهاد واجبا عليهم.
الخامس : يدلّ قوله تعالى : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) على أنّ الجهاد فرض كفائي ، وإلّا لما كان القاعد لا لضرورة معذورا ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) ، فإنّ القاعد إذا وجب عليه الجهاد ويكون آثما ، لا معنى لوعد الله تعالى له بالحسنى.
السادس : يستفاد من تكرير التفضيل بطريق العطف المنبئ عن المغايرة ، وتحديده تارة بدرجة ، وأخرى بدرجات مع اتّحاد المفضّل والمفضّل عليه ـ كما هو ظاهر الآية ـ أنّ درجة المجاهدين بمحلّ لا يمكن أن تدركه العقول ؛ ولبيان الاختلاف الذاتي في الدرجات الّتي تشتمل على الرحمة والمغفرة والثواب الجزيل ؛ وللإعلام بأنّ المجاهدين يختلفون في نيل تلك الدرجات المتفاوتة.