قوله تعالى : (وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ).
عطف على جواب (لمّا) ، أي : فلما كتب عليهم القتال قالوا : ربنا لم كتبت علينا القتال ، ويحتمل أن يكون عطفا على قوله : (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ).
وكيف كان ، فالآية الشريفة تحكي مقالتهم في تعبير دقيق ينبئ عن تقاعسهم وتكاسلهم الشديدين ، حيث صدر عنهم هذا الاعتراض على حكمه تعالى ، والإنكار على إيجابه القتال ، وهو دليل على ضعف إيمانهم ، فإن من خلص إيمانه لا يعترض على حكمه عزوجل.
قوله تعالى : (لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ).
بيان لموقفهم المتثاقل المتلهّف على تأجيل القتال ولو كان الأجل قريبا ، فهم إنّما يتمنّون التخفيف برفع القتال عنهم لمحض الهرب ، حبّا منهم في البقاء.
فالآية الكريمة ببلاغتها وأسلوبها البديع فيها تصوير عجيب لنفسياتهم الضعيفة ، وشدّة تكاسلهم. وظاهرها أنّهم يطلبون الهرب والاستزادة في كفّهم عن القتال والتخلّص عنه ، وليس المراد منها تأخيرهم إلى بلوغ أجلهم وموتهم حتف أنفهم ، ولو كان أجلا قريبا ـ كما ذكره جمع من المفسّرين ـ لأنّهم إنّما يتمنّون رفع القتال لأجل البقاء والتمتع بالحياة الدنيا ، فكيف يطلبون الموت العاجل.
قوله تعالى : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ).
بيان للعلّة الحقيقيّة لهذا الموقف المتقاعس المتثاقل فيه إلى تأجيل القتال ، لأنّ نفوسهم تعلّقت بالحياة الدنيا وأحبّوها حبّا استحوذ على أحاسيسهم ، فتمنّوا الاستزادة في حياتهم إلى أقصى ما يمكن ، فطلبوا منه عزوجل إمهالهم إلى وقت آخر.
وإنّما وصف عزوجل الحياة الدنيا بالمتاع القليل ـ وهو تعبير قرآني دقيق ـ لأنّه مهما طال بهم العمر وتمتّعوا بها فإنّها زائلة سريعة الانقضاء بالنسبة إلى الحياة الآخرة الّتي هي الباقية.