لعدم كسبهم أمرا ، فهو تعالى يتفضّل عليهم بالعفو ؛ لعلمه تعالى بحقيقة ضعفهم وعدم قدرتهم ، ويعلم ما في ضمائرهم.
وذكر كلمة الإطماع (عسى) منه تعالى حتم ، لا سيما بعد تعقيبه بقوله عزوجل : (وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) ، إلّا أنّ استثناء المستضعفين من الظالمين الّذين أوعدوا بالنار وسوء المصير يكفي في بعدهم وشقائهم ؛ لأنّهم حرموا أنفسهم من نيل السعادة ، فلا غنى لهم عن العفو الإلهي الّذي يمحو به أثر الشقاء ، كلّ ذلك كان سببا لذكر الله تعالى لهم ورجاء عفوه.
ويستفاد منه أنّ العفو مشروط بحسن النيّة وقصد الهجرة من أرض الشرك الى دار الإسلام ، الّتي يمكنه إقامة شعائر الله تعالى عليها ، فإنّ ترك الهجرة أمر خطير لا بدّ للمؤمن أن يعدّه ذنبا ، ويلزمه أن يتركه ، ويترصّد الفرصة في الهجرة ويعلّق قلبه بها أبدا.
قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً).
تقرير لما سبق بأتمّ وجه وأحسن أسلوب ، أي : أنّ الله تعالى عفو كثير الصفح عن ذنوب عباده غفور ساتر عليهم ذنوبهم ، وهو يدلّ على أنّه تعالى يتفضّل على المستضعفين بالعفو والمغفرة ، وقد سبقت رحمته غضبه ، فله كامل العفو وتمام الغفران.
قوله تعالى : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً).
تشجيع على الهجرة ، وتحريض عليها بالاعتناء بها وتنشيط الهمم في استنباط الحيل لها بعد أن ندّد تعالى بالقاعدين وهم قادرون عليها ، فإذا كان في البين مخاوف في النفس بشأن الهجرة وأخطارها وأهوالها ، بأن لا يجد رزقا في المسير ، أو أن يدركه الموت في الطريق أو غير ذلك ، فإنّ الله تعالى يعطي الضمانات