ومظهره : خمود الشعور ودخول الجسد الحيوانيّ إلى حالة التحلّل والاستحالة إلى الأصول الّتي تكوّن منها ، وإن كان في نظرية الإسلام بل الأديان الإلهيّة كلّها ، أنّ هذه الاستحالة والتحلّل لم يكن دائما وإنّما يكون دورا خاصّا ومحدّدا بزمن معين ، ثمّ يرجع الهيكل الّذي كان يعيش به في عالم الشهادة ويتشخّص في يوم الجزاء به ، ويسأل منه ما صدر عنه من الأفعال ، على ما أثبته الفلاسفة في البحث عن المعاد الجسمانيّ في آية ٨ ـ ٩ من سورة آل عمران.
الحذر من الموت :
يدرك كلّ حيّ ـ مهما كان شعوره ودرجته الحيوانيّة ـ بثقل الموت وشناعته وجزعه منه ، قال تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) [سورة الجمعة ، الآية : ٨] ، فتراه يهرب منه بتمام جهده ويدافعه بكلّ ما عنده من الوسائل إلّا أولياء الله تعالى ومن كان مرتبطا بصلة خاصّة مع مبدئ الحياة وخالقه حتّى أنّه يحنّ أيضا ، ولكن من ألم فراق التقرّب إليه جلّ شأنه بالموت وإن كان هو آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه. والآية الشريفة : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ). تبيّن السبب من الحذر والخوف من الموت وهو حبّ البقاء الموجود في نفس كلّ كائن حيّ ، ويكشف هذا الحبّ عن خلود الروح ، كما أثبته كثير من الفلاسفة ، إذ لو لم يكن الخلود مقدّرا للروح لما شعر الإنسان ـ أو الكائن الحي ـ به ومالت النفس إليه ، فإنّ الشعور مهما كان جزافا ـ والجزاف مستحيل في صنع الله تبارك وتعالى ، بل مستحيل في صنع النواميس الكونيّة الّتي تقود هذا الوجود وتربط بعضها مع بعض ـ لا يستطيع أن يصنع هذا الميل الشديد وذعرها العظيم من الفناء.
فلا معنى للقول بأنّ الخلود هوى من أهواء النفس ، كما ذهب إلى ذلك بعض