الثالث : يدلّ قوله تعالى : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) على أنّ عبادتهم لتلك الإناث إنّما هي عبادة صوريّة ظاهريّة ، لا توافق ما عليه فطرتهم الداعية إلى عبادة الواحد الأحد ، فتكون عبادتهم مجرّد دعاء صادر حين الحاجة.
الرابع : يدلّ تقريره عزوجل لما حكاه عن الشيطان الرجيم في قوله : (وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) على أنّ مطيعي الشيطان لا يخرجون بذلك عن كونهم عباد الله ولا ينسلخون عن هذا الشأن ، وربما يكون هذا الأمر مقتضيا لخروجهم عن طاعة الشيطان ورجوعهم إلى معبودهم الحقيقي الّذي هو خالقهم ، وفيه كمال العناية بعباده ، وأنّهم يقعون مورد لطفهم إن هم رجعوا عن غيهم وضلالهم وهيّئوا أنفسهم لنيل رحمته جلّت عظمته.
الخامس : يدلّ قوله تعالى : (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) على أنّ عبادة غير الله تعالى وطاعته توجب الطغيان والتمرّد على الحقّ والبعد عن الواقع ، فيهون ارتكاب كلّ رذيلة وإتيان كلّ فحشاء ومنكر ، فلا تبقى إرادة للخير ولا طمع في الفضيلة ، كما لا تبقى للفطرة سلامتها ، ولكن تتفاوت درجات الطاعة للشيطان ، ولعلّ هذا هو أحد المعاني في قوله تعالى : (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ).
السادس : يدلّ قوله تعالى : (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) على أنّ التصرّف في الكائنات والسلطنة عليها إنّما تكون من شؤون بارئها وخالقها ، وليس لغيره عزوجل ذلك ، فلا تشمل كلّ تصرّف وتغيير ، فضلا عمّا ورد من الشارع المقدّس الإذن فيه كالختان وتقليم الأظافر ، والخضاب ، وقطع العضو الزائد أو الفاسد في الإنسان ونحو ذلك.
السابع : يستفاد من قوله تعالى : (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ) أنّ كلّ ما سواه عزوجل ممّا يعبده الإنسان أو يطيعه لا حقيقة له ، وإنّما هو وهم وسراب ، ومآله إنّما يكون الخسران والدمار والهلاك ، وهمّه خسران الإنسان حقيقته في الدنيا والآخرة ، كما هو معلوم.