مقهورين من قبل الأعداء ، فلم نتمكّن من نصرة الدين وتعلّم معارفه وإقامة شعائره ، وعجزنا عن القيام بوظائف العبوديّة لسطوة الأعداء وشدّة فتكهم وقسوتهم واستضعافهم لنا. ولما كان الاستضعاف حاصلا من حيث إخلادهم إلى أرض الشرك وتسلّط المشركين على الأرض الّتي كانوا يعيشون فيها ، ولم تكن لهم هذه السلطة في أرض أخرى ، فلم يكونوا مستضعفين ، وإنّما حلّ بهم ذلك لتركهم الخروج والهجرة من أرض الشرك ، فردّت عليهم الملائكة ولم يقبلوا عذرهم ، فقالوا كما حكى عزوجل عنهم.
قوله تعالى : (قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها).
أي : أنّ عذركم مردود عليكم بترك الهجرة ، فلم تحرّروا أنفسكم من الذلّ والظلم بالهجرة في أرض الله الواسعة ، فترحلوا إلى أرض أخرى يمكنكم فيها إقامة الشعائر عليها ، فالاستفهام للتوبيخ ، فإنّ استضعاف القوم لكم لم يكن هو الموجب للإقامة معهم ، بل كنتم قادرين على الخروج والخلاص من نير المذلّة.
وإنّما أضافت الملائكة الأرض إلى الله تعالى ؛ إيماء إلى أنّه عزوجل هيّأ لهم في أرضه سعة ومخرجا ، كما يشير إليه قوله تعالى : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً).
وقد وصف سبحانه الأرض بالسعة ؛ للإعلام بأنّهم السبب في لزومها لأنفسهم ، لا أنّ المشركين يسلبونها عنهم بالكلّية. كما أنّ في هذا التعبير توطئة للأمر بالهجرة من بعضها إلى بعضها ، حيث قال تعالى : (فَتُهاجِرُوا فِيها) ، فلو لم يكن كذلك لكان الأولى أن يقال : فتهاجروا منها.
قوله تعالى : (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ).
بيان لجزاء القاعدين عن الهجرة والرضا بالفتنة في دار الشرك والكفر ، وتوعيد لهم بنار جهنّم ، كما أوعد بها الكفّار. وترتّب هذا الجزاء على فعلهم من