قوله تعالى : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ).
جملة معترضة تبيّن حكما اجتماعيّا عامّا ترشد إلى أنّ الصلح في جميع الأحوال خير وحسن ، خصوصا في مورد الخصومة والتباغض والتباعد بالافتراق وغيره ؛ لأنّ في الصلح سكون النفس وهدوء البال وراحة الضمير ، وبه تتحقّق السعادة وتزول النفرة والاختلاف ، وعلى هذا تكون كلمة «خير» لبيان خيريّة الصلح لا لبيان الأفضليّة ، فإنّ الصلح والوئام خير في حدّ نفسه ، سواء كان هناك خلاف وتباغض فيرفعان بالصلح أم لم يكن.
والإسلام يدعو إلى المصالحة وإنّ دينه دين الصلح والسلام ، وقد شرّع عزوجل من الأحكام والسنن والآداب والتوجيهات ما يتحقّق به العدل والمساواة في هذه الحياة المليئة بالاضطراب وهضم الحقوق والتباغض بين الأفراد.
قوله تعالى : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ).
جملة اعتراضية أيضا يذكر فيها عزوجل واقع الإنسان وكمونه ، وتتضمّن السبب الّذي يوقعه في البغضاء والشحناء والشقاق والسبب الّذي يحول من الصلح والعيش بسلام.
وتبيّن الآية المباركة أنّ الشحّ والبخل غريزة من الغرائز النفسانيّة لا يخلو منها إنسان ؛ لأنّ به يحفظ منافعه ويصون نفسه من الضياع ، فإذا أطلقت هذه الغريزة وخرجت عن صون العقل والحكمة صارت رذيلة مهلكة ، وإن هذّبت صارت سببا للضبط على المعتقدات والإرادة ، أو تكون سببا لحصن النفس في الوقوع في منزلق الرذائل وسفاسف الأمور ، بل قد يصير موجبا لحفظ الأموال من التبذير والإسراف ، فالافراط في هذه الغريزة مذموم كالتفريط ، قال تعالى : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [سورة الحشر ، الآية : ٩] ، فالشحّ موجود في كلّ نفس ، ولكن الإنسان عرضة له وهو يحضر عند ظهور المقتضي له إلّا إذا ملك زمام هذه الغريزة بما يريده الله تعالى لها من الصلاح والسعادة ، فإن تبع كلّ