بحث فقهي :
ذكرنا في التفسير أنّ الخلق في قوله تعالى : (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) أعمّ من الخلق الصوري (أي الطبيعي) ، أو الفطري الّذي هو الدين ، فالآية المباركة تدلّ على حرمة تغيير ما خلقه الله تعالى ممّا نصّ الشارع على حرمته كالتمثيل بالناس ، والخصاء في الإنسان ، وحلق اللحية في الرجل ، وغيرها ممّا هو محرّم شرعا.
وهل تشمل الآية المباركة ما لم يرد فيه من الشارع نصّ على تحريمه؟ كتغيير بعض الحيوانات الدائر في هذه الأعصار من الكبر إلى الصغر ، كما في الفيل والفرس ، وإجراء بعض العمليات التجميليّة في الإنسان إن لم يكن فيها دفع ضرر أو حفظ صحّة ، وغير ذلك من الأمور المستحدثة في هذه الأعصار وجهان؟.
مقتضى العمومات والإطلاقات غير القابلة للتقييد هو الحرمة ، فتشمل كلّ تغيير للحيوان وتبديله إلى حيوان آخر مثلا.
ومقتضى قوله تعالى : (خَلْقَ اللهِ) أنّ المناط في الحرمة هو المعارضة مع خلق الله سبحانه وتعالى بإيجاد خلق جديد ، فتقتصر الحرمة على ما كان كذلك ، أي : ما يعارض فيه خلق الله عزوجل ، فلا تشمل ما لم يكن كذلك في الإنسان كان أو في الحيوان أو في النبات.
هذا كلّه إن لم يحصل إيذاء أو إسراف ، وإلّا فالحكم واضح.
بحث عرفاني :
كما أنّ للتقرّب إلى الله تعالى والوصول إلى ساحة كبريائه مراتب كثيرة ـ شدّة وضعفا كمية وكيفيّة ـ كذلك للبعد بالنزول عن ساحة قدسه والقرب للشيطان ، وذكرنا أنّ لكلّ من الهداية والغواية أسبابا وعللا ، وإن كانت الفطرة