نسيئة ، وليس ذلك من شأن الكريم فكيف بأكرم الأكرمين ، فإنّ المولى الغني جلّت عظمته لو اشترى شيئا من أحد نجزه نقدا وزاد في إحسانه ورفده ، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [سورة التوبة ، الآية : ١١١] ، فعوّض المؤمنين في هذه الدنيا جنّة المعارف بأقسامها وزادهم جنّة الزخارف وادّخر لهم ما يليق بشأنهم ويمنحهم لهم في دار الآخرة.
والجنّات الممنوحة في هذه الدنيا لمن تمّ عنده رسم العبوديّة ولو بأدنى مرتبتها وحسب لياقتها ، في غاية البهجة وكمال اللذّة ومنتهى السعادة وأسماها ما يلي :
منها : جنّة المعرفة ، وهي من أعلى مراتب الجنان وأكملها ، قال بعض العرفاء المتألّهين : «في الدنيا جنّة من دخلها لم يشتق إلى جنّة الآخرة ولا إلى شيء ، ولم يستوحش أبدا. قيل : وما هي؟ قال : معرفة الله» ، ولها مراتب ودرجات تشرق بمقتضى اللياقة والاستعداد ، وبها تتمّ كلّ نقصان.
وكلّ قبيح إن نسبت لحسنه |
|
اتتك معاني الحسن فيه تسارع |
يكمل نقصان القبيح جماله |
|
فما تم نقصان ولا ثم باشع |
ومنها جنّة المقامات الّتي نالها الأنبياء والأولياء في هذه الدنيا ، كمقام الحبيبيّة الّذي اختصّ به نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله ، وهو فائق على جميع المقامات والجنّات ، ويحصل هذا المقام باصطفاء النفس وجعلها تحت اختيار المحبوب ، بحيث لو لم يكن المحبوب لم يتحقّق الاصطفاء ولم يتشرّف بمقام الحبيبيّة ، ويصل إلى منزلة : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [سورة الأنفال ، الآية : ١٧] ، وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [سورة الفتح ، الآية : ١٠] ، وقوله صلىاللهعليهوآله : «أبيت عند ربّي فيطعمني ربّي ويسقيني».
وذكر بعضهم أنّ مقام الخلّة الّتي نالها إبراهيم عليهالسلام يساوي مقام الحبيبيّة من جميع الجوانب ، ولكن التأمل التامّ وسياق الآيات المباركة يدلّ على أنّ مقام