قوله تعالى : (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ).
مرحلة ثانية تأتي بعد إبعاد عباد الله تعالى عن الحقّ ، فيجيء الإغراء بالأماني والتسويفات والإيحاء لهم بأنّ هذا الطريق الجديد هو أنفع وأجمل وأروح وأحسن عاقبة من الطريق المستقيم طريق الله تعالى ، ممّا يوجب صرفهم عن الاشتغال بما تقتضيه عبوديّتهم.
وللتمنّي الأثر الكبير في من ضعفت نفسه وضاع الطريق لديه ، وله مظاهر مختلفة ـ مثل حبّ الجاه والمال والتمنّي بطول البقاء ـ والجامع لتلك المظاهر حبّ الدنيا ، وهو السبيل الأهمّ من سبل الشيطان. وفي الحديث : «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة» ، ويتحقّق بالتسويف في العمل والتمنّي بالأهواء الباطلة ، وتزيين الشهوات بما يميل إليه طبع كلّ فرد ، فيصدّه عن الطاعة. والتمنّي بالاستعجال باللذّات الحاضرة ، والتمنّي بأنّه ليس هناك حساب ولا ثواب ولا عقاب ولا جنّة ولا نار ، وغير ذلك من موجبات تغرير الشيطان وسبل كيده وخدعه.
وهذه المرحلة توافق طبع الإنسان المركب من النجدين ، وبها يقع الصراع المرير بينهما ، فإذا ضعفت دواعي الفطرة والعقل في فرد تغلّب الجانب الآخر ، فينسى الإنسان نفسه ، فتقوى عنده دواعي اقتراف المعاصي.
قوله تعالى : (وَلَآمُرَنَّهُمْ).
إنّه يملك أمرهم ويتمكّن من استعبادهم بعد طي المرحلتين ، وحينئذ تأتي المرحلة الثالثة بعد تلك المتقدمتين بنجاح ، فتحقّق طاعة الشيطان وعبادته ، ويستشرى الفساد والضلال ، ولا يبقى للإنسان مكانته الّتي أرادها الله تعالى ، قال عزوجل : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [سورة التين ، الآية : ٥].
ثمّ إنّ الله جلّ شأنه يبيّن مظهرين من مظاهر طاعة الشيطان وعبادته ، أحدهما خاصّ والآخر عامّ.