درجات الإخلاص :
كما أنّ للعبوديّة درجات ، ولكلّ منها مراتب ، ولكلّ مرتبة منزلة حسب درجات الإيمان ومراتب المعرفة ومنازلهما ، وأنّ التقرّب لديه جلّ شأنه يحصل بجميعها ، وأنّ أسمى المراتب وأعلى الدرجات قبوله عزّ اسمه بالعبوديّة ـ وإن كان للقبول مراتب أيضا ـ فإنّه هو الفوز العظيم ، فعن بعض العرفاء : «قيل له بعد وفاته ـ في الرؤيا ـ : كيف حالك مع الملكين (النكير والمنكر)؟ فقال : لما قالا لي : من ربّك؟ قلت لهما : اسألا ربّي ، فإن قال : هو عبدي وأنا ربّه ، يكفي ، وإلّا فلو قلت : هو ربّي وأنا عبده مرارا لا يفيد بلا قبوله» ، كذلك للإخلاص له درجات ، وفي كلّ منها مراتب ، وفي كلّ مرتبه أنواع أهمّها وجامعها أقسام ثلاثة : إخلاص العوام ، وإخلاص الخواص ، وإخلاص أخصّ الخواص. وإن شئت قلت : مطلق الإخلاص ، وإخلاص المحبّين ، وإخلاص الموحّدين.
والأوّل : هو الإخلاص في العبادة لأجل الحظوظ ـ سواء كانت دنيويّة أم أخرويّة ـ كحفظ البدن وسعة المال والقصور والحور.
والثاني : لأجل السعادة الأخرويّة والدخول في الجنّة دون الحظوظ الدنيويّة.
والثالث : هو إخراج الحظوظ بالكليّة ، بل الإخلاص لأجل جنّة الشوق بالقرب له جلّت عظمته : «وفؤادي ليس فيه غيره».
ولكلّ من هذه الأقسام مراتب كما مرّ ، وأنّ جميعها حسن إلّا أن أسماها وأعلاها القسم الأخير ، وفي دعاء كميل : «هب لي صبرت على حرّ نارك ، فكيف اصبر على فراقك» ، وعن سيد العرفاء المتألّهين الشامخين أمير المؤمنين عليهالسلام : «الهي عبدتك لا خوفا من نارك ولا طمعا لجنّتك ، بل رأيتك أهلا لذلك فعبدتك» ، وعن بعض العرفاء المتألهين :
ليس سؤلي من الجنان نعيما |
|
غير أنّي أحبّها لأراكا |