ويمكن أن يقال : إنّ هذه العقيدة لا تختصّ بالمسلمين فقط ، بل تعمّ جميع الأديان السماويّة غير المنحرفة لما عرفت أنّها فطري ، ولعلّ المراد من الآية المباركة : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) [سورة الشورى ، الآية : ١٣] ذلك. هذا كلّه بالنسبة إلى ذاته.
وأمّا كيفيّة العبادة ونهجها ، فلا بدّ وأن تكون بوحي منه تعالى بواسطة الأنبياء والمرسلين وتبلّغها الأولياء والصالحون ، فإنّهم سفراؤه تعالى لأجل بيان كيفيّة العبادة بتنوير الفطرة واستقامتها وتكبيت الأهواء الفاسدة والشهوات المضلّة ، فالأنبياء ليسوا هم إلّا وسائل للتقرّب إليه جلّ شأنه ومن مظاهر أسمائه ، والدالّين إليه تعالى ، بهم عرفنا الله تعالى ، وما اخترناه من نهج الهدى ، وهم المعاندون للشيطان ، ولو لاهم لاختلف النظم واختلّت كيفيّة العبادة وانطمست الفطرة ولم يتحقّق الكمال المنشود.
ولذلك يحكم العقل والفطرة باحترامهم وتوقيرهم باتباع سننهم ومنهجهم ، ولهم امتيازات خاصّة من الله تعالى في حياتهم وبعد ارتحالهم إلى الله تعالى ، حتّى موضع قبورهم لأنّها حوت أجساما كانت مورد عنايته عزوجل وتضمّنت نفوسا قدسيّة كانت مرتبطة بجلاله ، وأبدانا تقرّبت إلى وادي عزّه وقدسه ، وسرت حتّى وصلت إلى قاب قوسين أو أدنى وجعل له النار بردا وسلاما ، وأبصارا رفعت عنها الحجب حتّى رأت المشهود في الشاهد ، والشاهد في المشهود ، وأسماعا خرقت الستائر والموانع حتّى سمعت : «إنّي أنا الله» و «ادن من صاد فتوضأ» ، ووجوها رأت نور الحبيب وجماله وكبريائه ، فخرّت ساجدة مذعنة.
بل أنّ الأرض الّتي تضمّنت تلك الأبدان الطاهرة ، والمفاخر البشريّة ، ومظاهر التكبير والتهليل لها كرامة ومنزلة عند الله تعالى ، فلا بدّ أن تحترم كما