والآيات الكريمة تشتمل على أسلوب تربوي دقيق ، لها وقع خاص في النفوس المستعدة وتتخلّلها من الحكم والمواعظ والإرشادات والتوجيهات ممّا زاد في رصانتها وقوّتها وشدّة تأثيرها.
التفسير
قوله تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ).
الاستفتاء : طلب الفتيا ، وهي الجواب عمّا يشكل من الأحكام وما دقّ من الأمور ، وقد استعمل في كلّ تبيين للحكم ، يقال : استفتيته فأفتاني ولا يختصّ بما يراه الإنسان باجتهاد منه كما هو المتداول في هذه الأعصار ، بل يعمّ ما إذا كان حاصلا من الوحي والإلهام ، أو ما يتحقّق بالتشريع والأمر ، كما يظهر من نسبة الفتوى إلى الله تعالى في المقام.
ومن حذف المتعلّق في الآية الشريفة وعدم ذكر أمر خاص من أمور النساء يتبيّن أنّ الاستفتاء إنّما كان في كلّ ما أحدثه الإسلام ممّا لم يكن معهودا قبله ، ولا يختصّ بالحقوق الماليّة كالإرث والمهر ونحوهما ، كما ذكره جمع من المفسّرين ؛ لقوله تعالى : (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ) ، فإنّ ذكر شأن خاصّ من شؤونهم أو ما يتعلّق بطائفة خاصّة منهن كاليتامى ، لا يوجب تقييد العموم ، لا سيما بعد أن كان ما أبدعه الإسلام أو ما شرّعه في النساء غريبا عليهم ، لما اعتادوا عليه فيهن من استضعافهن وحرمانهن من كثير من الحقوق الاجتماعيّة والماليّة ، فكان التعميم مناسبا ، ويدلّ على ذلك أيضا ذكر أحكام النشوز والخلاف بين الزوجين وطرق الإصلاح بينهما ، فتكون الآية الشريفة ناظرة إلى جميع ما بيّنه عزوجل في أمر النساء في أوّل هذه السورة وآخرها وفي المقام.