قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً).
تعليل عامّ يبطل زعمهم في عدم استخفائهم من الله تعالى وتدبيرهم القول ، فإنّه عزوجل محيط بهم في جميع الأحوال ، فيعلم أفعالهم وأقوالهم وسرّهم وعلنهم ، عالم بجميع خصوصياتهم لا يعزب عن علمه شيء ولا يفوته أمر.
قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا).
بيان لعدم انتفاعهم بالمجادلة عنهم ، وهو دليل على أنّ المجادلة المنهيّة في صدر الآية الشريفة الّتي خوطب بها النبيّ صلىاللهعليهوآله ليس المراد منه نفس الرسول الكريم ، فإنّه صلىاللهعليهوآله معصوم لا يجادل عن الّذين يخونون أنفسهم ، بل كان واقعا من بعض المؤمنين ، إلّا أنّ الخطاب كان موجّها لرسوله الكريم صلىاللهعليهوآله ؛ تعظيما للأمر وتعليما لأمته ، فإنّ الأمر بمكان من الأهميّة ؛ لأنّ فيه تضييعا للحقوق ومسّا للعدالة الإسلاميّة وترويجا للباطل وإزهاقا للحقّ ، فكان ذلك سببا في توجيه الخطاب له صلىاللهعليهوآله ومثل هذا الأسلوب يراد منه الاستفزاز والتنبيه بأنّ الجدال عنهم لا ينفعهم ولو بذلتم غاية الجهد في ذلك ، فإنّ جناياتهم على حدّ من الكثرة والعظمة بحيث يوجب مشاقّتهم بالتوبيخ والتقريع ، لا المخاصمة والجدال عنهم.
قوله تعالى : (فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ).
أي : لو نفعهم الجدال في الحياة الدنيا ، فلا ينفعهم في يوم القيامة ، يوم حضور الأعمال ويوم الشهود. والاستفهام بمعنى الإنكار والتوبيخ.
قوله تعالى : (أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً).
أي : إذا حضرت الأعمال وتكشّفت السرائر وبرزوا لله الواحد القهّار ، فمن يكون وكيلا يدافع عنهم ، فإنّه في ذلك اليوم لا مدافع عن المجرمين ولا مجادل عنهم ولا كفيل يدبر أمرهم ويصلح شأنهم ، فهناك لا ينفع الاستخفاء من الله تعالى ، فإنّ الأعمال محفوظة لديه وهو محيط بهم.