أقسام الهجرة :
للهجرة أقسام مختلفة تنشأ من علو الهمّة الّتي هي تختلف باختلاف الأشخاص ومراتب الإيمان ومنازل الأوطان :
الأوّل : الهجرة من الوطن إلى غيره لنيل الدنيا ، فإنّ هجرته إلى ما هاجر إليه ، كما تقدّم عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله ولا شرف فيها ، بل في التعبير بها تسامح ، والآيات الشريفة والسنّة المباركة بمعزل عنها.
الثاني : الهجرة بترك الأوطان والبعد عن الإخوان لنيل الكمال المنشود في رضائه تعالى بصحبة عالم عامل أو حكيم عارف أو معلّم مشفق. ولها مرتبة من الشرف ، وقد يحصل بها الرقي إلى المنازل الرفيعة والدرجات الساميّة ، وتسمّى بهجرة الأخيار.
الثالث : الهجرة من وطن الملك بالسعي في ترك جميع الحظوظ النفسانيّة للوصول إلى عالم الملكوت. أو من وطن المعصية إلى شرف الطاعة والسكون فيه بمعرفة الحقّ وتجليه له ، وهي من أكملها وأعلاها وتسمّى بهجرة الخواص ، وبها يبلغ المقصود ويخضع له ما في عالم المشهود لخضوعه الواقعي له عزوجل ، فعن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «من انقطع إلى الله كفاه كلّ مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب» ، وقد تقدّم في التفسير مكرّرا أنّ الرزق أعمّ من الإفاضات الظاهريّة والمعنويّة.
الرابع : الهجرة من وطن الغفلة إلى شرف اليقظة ، أي : من وطن الحسّ إلى وطن المعنى بمكاشفة الأفعال ومشاهدة الصفات في ترك إقبال الخلق والعزل عن طلب الكرامة فيهم ، ولا ينال هذا القسم إلّا من امتحن الله قلبه بالإيمان.
وبهذه الهجرة ينال العبد أسمى صفات العبوديّة وأجلّها ، وهي كما عن الصادق عليهالسلام : «العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة» ، وبها يستغنى عن ما سواه تعالى ولا يعظم غيره عزوجل ، فعن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «من كانت الآخرة نيّته جمع الله