قوله تعالى : (فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ).
مادة (ب ت ك) تدلّ على القطع والفصل والشقّ ، ويقاربها مادّة (البت) الّتي تأتي بمعنى الفصل والقطع أيضا ، إلّا أنّ البتك تستعمل في الأعضاء والشعر والريش ، يقال : بتكت الشعر ، أي : تناولت بتكة (بالكسر) منه ، أي : القطعة المتّخذة منه ، قال الشاعر :
/ / طارت وفي يدها من ريشها بتك / /
جمعها بتك ـ بالكسر والفتح ـ ومنها سيف باتك ، أي : قاطع ، ولم ترد هذه المادّة في القرآن إلّا في هذه الآية المباركة.
والمراد به قطع آذان من أصلها أو شقّها ، وهو إشارة إلى ما كانت تفعله الجاهلية من شقّ أو قطع آذان الأنعام إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكرا ، وحرّموا على أنفسهم الانتفاع بها.
وفي ذكره بالخصوص لما يدلّ على سفاهة العقول وطيشها وسخافتها ، وممّا يدلّ على أنّ طاعة الشيطان وعبادته توجب طيش العقول واضطرابها وخروجها عن استقامتها كما خلقها الله تعالى ، وقد أخبر عزوجل ـ في عدّة مواضع من القرآن الكريم ـ أنّ لبعض المعاصي أثرا في اضطراب الإنسان وخروجه عن استقامته ، كما بالنسبة إلى الربا ، قال تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٧٥] ، وتقدّم ما ينفع المقام فراجع.
قوله تعالى : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ).
اللّامات الثلاث كلّها للقسم ، ممّا تدلّ على تصميمه (لعنه الله تعالى) على إضلال عباد الله تعالى ، وينبئ ذلك عن طبعه الخبيث وسجيّته الشريرة.
وتغيير خلق الله تعالى يشمل التغيير الحسّي ـ صفة وصورة ـ كالخصاء وأنواع المثلة والتشويهات والتبديلات الّتي يأمر بها المطيعين له على أصناف خلقه