الاصطفاء والحبيبيّة فائق على مقام الخلّة بمراتب كثيرة ؛ لأنّ مقام الحبيبيّة بعد مقام الاصطفاء وجعل النفس تحت اختيار المحبوب بالمرّة ـ كما مرّ ـ ومقام الخلّة لم يصل إلى هذه الدرجة ن فمقام الاصطفاء يشمل مقام الخلّة وزيادة ن بخلاف العكس فلخاتم الأنبياء ـ الّذي له مقام الحبيبيّة ـ منزلة عظيمة لم يصل لها أحد من الأنبياء.
ومنها : مقام الخلّة الّتي اختصّت بإبراهيم عليهالسلام من بين سائر أنبياء الله تعالى ، وهي منزلة عظمى لا ينالها أحد إلّا بعد طي مراحل كثيرة منها مرحلة العبوديّة ، والتسليم ، والخلوص ، وفناء النفس فيه عزوجل ـ وفي بعض الروايات كان جنّة إبراهيم عليهالسلام في هذه الدنيا هي النار بعد السلام ـ. وقد اجتاز إبراهيم عليهالسلام هذه المراحل بأحسن وجه حتّى نال جنّة الخلّة أيضا في هذه الدنيا ، وخصّه الله تعالى بها دون غيره من الأنبياء عليهمالسلام ، فعرف بأنّه خليل الرحمن ، قال تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٢٣].
وبعد الإحاطة بما ذكرناه لا نحتاج إلى صرف لفظ الخليل عن ظاهره ، لما ذكروه من أنّه تعالى منزّه عن المعنى الحقيقي ، فإنّ الخلّة الحقيقيّة شيء لا يدركها إلّا العارف بالله تعالى ومن وصل إلى هذه المرتبة ، وسيأتي في الموضع المناسب بيان أنّ الصفات الّتي تطلق على المخلوقين إذا لم يستلزم من إطلاقها على الله محال ، تطلق عليه عزوجل لكن بالمرتبة الكاملة والمعنى الأتمّ ، كالخلّة والحبّ ونحوهما.
وكيف كان ، فقد ظهر فساد ما ذكره بعض النصارى في المقام ـ كما تقدّم في البحث الروائي ـ بأنّه إذا جاز إطلاق الخليل على إنسان تشريفا ، فلم لم يجز إطلاق الابن على آخر كذلك. فإنّ إطلاق الخلّة على إنسان لم يكن تشريفا بل كان حقيقيّا ولا يستلزم منه محال ، بخلاف إطلاق الابن فإنّه يستلزم الجنسيّة والله تعالى منزّه عنها ؛ لما يترتّب عليها من الفساد فافهم.
ولمقام الخلّة آثار عظيمة ، منها : استجابه الدعاء ، فإنّه ليس معنى الخلّة