وفي هذه الآيات المباركة يذكر عزوجل من الأحكام العمليّة لتنبيه الناس الى أنّ الكمال والسعادة لا يمكن الوصول إليهما إلّا بتطبيق الأحكام العمليّة والتعاليم الإلهيّة فإنّ حقيقة الدين عند الله تعالى هي الإيمان والعمل الصالح ، بل أنّ في إسلام الوجه لله تعالى هو التسليم بما جاء في القرآن الكريم كما عرفت آنفا.
وقد ذكر في هذه الآيات الكريمة موضوعا من الموضوعات الرئيسيّة في هذه السورة ، أي : موضوع النساء وعلاقات الزوجيّة والأسرة وبعض ما يتعلّق بشأن اليتامى بعد أن كانوا والمرأة من الضعيفين اللذين هضم المجتمع حقوقهما ، فأمر عزوجل المؤمنين بوجوب مراعاة حقوقهما وحفظها. وقد ذكر سبحانه وتعالى جملة من حقوقهما في أوائل هذه السورة من الإرث ، والمهر ، والتصرّف في أموال اليتيم ، وبعض أحكام الزوجيّة ، وفي المقام وجوب العدل بين النساء إن اقتضت الضرورة بتزويج أكثر من واحدة منهن ، وأمر عزوجل بالقسط بينهن وحفظ أموال اليتامى وأمر بتوريثهن.
ثمّ ذكر جلّ شأنه بعض أحكام الاختلاف بين الزوجين ، وبيّن بعض الأمور الدقيقة الّتي تمسّ الحياة الزوجيّة ، واعتبر تعالى أنّ التقوى هي الضمان لحفظها ، والعدل والإحسان هما الأساس لتلك العلاقة الّتي هي من أهمّ العلاقات عند الإنسان وعليها تبتني سعادته في الدارين ، ويأمر تعالى بالتقوى مكرّرا ؛ لأنّها الركيزة العظمى في الشرائع الإلهيّة ، ولا سيما شريعة الإسلام ؛ ولأنّها الضمان لتلك الأحكام ، ويشدّد عليها بالتهديد على من يعرض عنها وبوصفه بالكفر ، ويهددهم بالقدرة على إذهابهم وإتيان آخرين فيتّقون ويعملون.
ثمّ يبيّن عزوجل السبب في إعراض الناس عن التقوى ، وهو حبّ الدنيا والرغبة في متاعها. ويعالج سبحانه وتعالى أخيرا الموقف بأنّ الخير إنّما يكون في ثواب الله تعالى الّذي يمنحه لمن أطاعه واتّقاه في الدنيا والآخرة ، وبذلك يرشد الناس إلى أنّ التقوى هي الّتي تضمن ثواب الدنيا والآخرة ، وأنّ الله تعالى هو الرقيب لهم يسمع أقوالهم ويرى أفعالهم فيجازيهم عليها.