في عدوه الألم في ذات الوقت ، إلّا أن الفارق الأعظم بين الألمين أنّ ألم المؤمن ذاهب به إلى الجنّة يغسل به خطاياه وذنوبه ويزيل العذاب ويزيد له في الدرجات كلما زاد ، ويعوّض له النعيم الأبدي الّذي لا ينغصه شيء ممّا في الدنيا ، بخلاف ألم العدو الكافر الّذي يزيد في بلائه وشقائه وعذابه.
والآية الشريفة من الآيات المعدودة الّتي تعالج الجانب النفسي في الجهاد ، حيث تبعث الطمأنينة في النفوس إذا أصابها الوهن والضعف وتتكاسل إذا تألمت من الجراح والمرض ، فتزيلها بأسلوب تربوي نفسي رصين ، فتشرح لها أولا بأنّ المقام يستدعي التضحية وتلقّي الآلام والمصائب ، ثمّ تزيد في الهمّة والتشجيع بأنّ الطرف الآخر المقابل أيضا أصابه بمثل ما أصاب المؤمنين ، ثمّ تنشط العزيمة بإثبات الفرق بين الألمين ، الألم الّذي يصيب المؤمنين فإنّ عاقبته الجنّة ويزيد الثواب ويرفع العذاب ، بخلاف الألم الّذي يصيب الأعداء الكافرين فإنّه محيط لهم ومنغص لعيشهم ويحرمهم من نعيم الدنيا ويوردهم البوار والهلاك في الآخرة ، فلا ينبغي الوهن والضعف في طلب القوم الّذين ناصبوا لكم العداء ويريدون القضاء عليكم.
قوله تعالى : (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ).
تسكين النفس عند إصابتها بالجراح والمرض والتعب وتشجيع لها ، فإنّها إذا علمت بأنّ الأعداء أصابهم مثل ما أصابها تتشجّع وتصبر على البلاء ، فليس الجراح والآلام مختصّة بهم ، بل هي مشتركة بين الفريقين ؛ لأنّهم بشر أيضا ، والألم لا بدّ أن لا يكون مانعا عن خوض اللجج وقتال أعداء الله تعالى.
قوله تعالى : (وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ).
بيان للفرق بين الفريقين الأشقياء الّذين ليس لهم أمل إلّا العيش في هذه الحياة ، فلا رجاء له في الآخرة فإذا أصابه الألم والموت انقطعت آماله وخابت أمانيه ويئس عن الحياة ، وفريق السعداء الّذين يرجون الله تعالى الظفر والفتح والمغفرة والثواب الجزيل ؛ لأنّهم يعلمون من الله تعالى ما لا يعلمه غيرهم ، وهذا هو