التفسير
قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً).
بيان لأهم حكم من الأحكام الإلهيّة في أبلغ أسلوب وأفصح عبارة ، فإنّها تدلّ على نفي الشأن الّذي هو أبلغ من نفي الفعل ، أي : لا يوجد في المؤمن بعد دخوله في حريم الإيمان اقتضاء لقتل مؤمن أبدا ، بل لا يليق بحاله ، ولا ينبغي له قتل من تشرّف بالإيمان بالله ورسوله مطلقا ، أي قتل كان ، ولو صدر منه في حالات خاصّة ، كحالة الحرب وفي ساحة القتال.
ومثل هذا النهي الدالّ على نفي الشأن والاقتضاء كثير في القرآن الكريم ، قال تعالى : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) [سورة الأحزاب ، الآية : ٥٣] ، وقال تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [سورة الأحزاب ، الآية : ٣٦] ، وإنّما ذكر عزوجل المؤمن لبيان أنّ الإيمان جنّة واقية من كلّ ظلم وجريمة ، وهو يمنع صاحبه من قتل أخيه المؤمن بعد أن دخل في حريم الإيمان وحماه.
والآية الشريفة وإن كانت لنفي الشأن والاقتضاء ، لكنّها متضمّنة للحكم التكليفي ، فتنهى عن القتل ، فيكون النفي بمعنى النهي للمبالغة وشدّة التنزيه عن ارتكاب القتل ، أي : يحرم على المؤمن قتل المؤمن إلّا إذا كان القتل خطأ غير مقصود له بعنوانه ، فلا حرمة هنا ، فلا يستفاد من الآية الكريمة عدم استحقاق الحرمة في هذا النوع من القتل ، فلا حاجة لجعل الاستثناء في قوله تعالى : (إِلَّا خَطَأً) منقطعا لدفع الاحتمال المزبور ، بل الاستثناء على حقيقته ، أي : الاستثناء المتّصل ـ كما عرفت ـ فتكون الآية المباركة دالّة على عدم وضع الحرمة في الفعل غير المقصود.
ويحتمل أن يكون الاستثناء بمعنى النفي ، أي : ولا خطأ ، كما استعمل فيه في