قوله تعالى : (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها).
يستفاد منه أنّ للجواب مرتبتين ، أدناهما ردّها بعينها ، وأعلاهما الجواب بأحسن منها. ولم يعيّن سبحانه وتعالى الجواب ؛ لأنّه يتبع العادات والتقاليد المعروفة ، وإن ورد في بعض الآثار أنّ الأحسن هو أن يقول : «السلام عليك ورحمة الله وبركاته» ، والردّ بالمثل هو أن يقول : «عليك السلام».
وظاهر الآية المباركة أنّ الجواب فرض وإن كان أصل التحيّة تطوعا ونفلا ، وقد ورد في آداب التحيّة وكيفيتها وأحكامها الشيء الكثير ، وسنذكر جملة منها في البحوث المناسبة الآتية.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً).
تأكيد لمضمون الآية المباركة. والحسيب بمعنى الحفيظ المراقب ، وهو من أسمائه تعالى ، وقيل : هو فعيل من الحساب. وقيل : إنّه بمعنى الكافي ، فعيل بمعنى مفعل ، من قولهم : أحسبني كذا ، أي كفاني.
وقيل : إنّه بمعنى الكافئ ، والظاهر التلازم بين تلك المعاني ، فإنّ المحاسب المراقب لأفعال العباد يكون كافيا في إيصال ما يكافئه.
وكيف كان ، فالمعنى : أنّ الله تعالى على كلّ شيء رقيب وحافظ ، يرقب أفعالكم ـ ومنها الصلة بالتحيّة ـ فيحاسبكم عليها وعلى غيرها ، فيدلّ على شدّة الاعتناء بهذا الحكم الاجتماعي الّذي يحفظ الترابط ويرفع التنافر بين الأفراد.
قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).
توجيه عقائدي يهدي الإيمان في قلوب المؤمنين ويثبته ، وهو يشتمل على ركنين من أهمّ أركان الإيمان. وهما التوحيد ، والإيمان بالبعث والجزاء في الدار الآخرة ، وهما الركنان اللّذان أمر الله تعالى أنبياءه العظام بتبليغهما الناس وإقامتهما ، وهما من أهمّ الروابط بين آيات الكتاب المبين ، ويكونان وقفة بين الآيات