في جميع الأحوال حتّى حال ارتكاب الجرم وصدور المعصية ، فيكون التقييد بهذين القيدين من قبيل ذكر العامّ بعد الخاصّ ، وهو في الحقيقة تعليل لعدم استخفائهم من الله تعالى بعلّة خاصّة ثمّ بأخرى عامّة.
وما ذكره قدسسره تطويل بلا طائل تحته ، فإنّ ما يذكره عزوجل من الآيات التالية كفيل في بيان المراد من عدم استخفائهم من الله ، وهو التنزيل على ما كانوا يعتقدونه ، وإنّه مذكور على ما كانوا يتخيّلونه من عدم حضوره عزوجل وأمنهم من عقابه ، بخلاف استخفائهم من الناس ، فإنّهم لم يكونوا في مأمن من عقابهم وتوبيخهم ، فكان الردّ عليهم حاسما ، من أنّه معهم يعلم ما يبيّتون ما لا يرضى من القول ، وأكّد ذلك بأنّه محيط بهم.
وما ذكره أخيرا من الآيتين المباركتين الأخيرتين تعليل لعدم استخفائهم من الله تعالى صحيح ، فهو عزوجل أحقّ من أن يستخفى منه ـ بأن لا يعصى لا جهرا ولا خفاء ـ فالاستخفاء منه تعالى أمر مقدور بترك المعصية والإثم ومراقبته عزوجل في جميع الأحوال.
قوله تعالى : (وَهُوَ مَعَهُمْ).
تعليل لعدم استخفائهم منه جلّ شأنه ، فهو معهم يعلم ما تكنّ به صدورهم ويرى أعمالهم ويسمع أقوالهم. ومعيّته تعالى لخلقه معيّة قيوميّة إحاطيّة علميّة ، لا معيّة زمانيّة ومكانيّة ، فإنّه تعالى محيط بهما.
قوله تعالى : (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ).
تقدّم الكلام في مادة (بيّت) ، والمراد به التدبير ليلا وفي الخفاء بما لا يرضاه عزوجل من القول والفعل ، كالتبريّ من الخيانة ورمي البريء بها وشهادتهم عليها زورا ، فيكون المراد من القول الأعمّ منه ومن الفعل المترتّب عليه ، فكانوا يدبّرون ما لا يرضاه عزوجل في الخفاء وينسبونه إلى البريء.