وفي إطلاق الاحتمال بالنسبة إلى قبول وزر البهتان استعارة لطيفة ، كأنّ المفترى يفتك بالمتهم البريء ويرميه بالإثم والخطيئة ، فيوجب أن يتحمّل حملا يشغله عن كلّ خير ، لا يفارقه مدى حياته.
والآية المباركة تتضمّن أدبا من آداب الإسلام وخلقا كريما من مكارم الأخلاق. وهو ترك رمي البريء والافتراء عليه ، فإنّه خطيئة أخرى وإثم عظيم ؛ لأنّه يشتمل على الكذب والافتراء والظلم على الغير وذهاب الثقة بين المجتمع وهدم الاعتماد في الأسرة وإشاعة الفحشاء بين الأفراد ؛ ولذا كان معصية كبيرة توجب فساد الدنيا وعذاب الآخرة.
قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ).
الآية الشريفة تدلّ على أنّهم كانوا يهتمّون بإضلال النبيّ صلىاللهعليهوآله ويرضونه بالدفاع عن الخائنين والمجادلة عنهم ، وهؤلاء هم الّذين خاطبهم عزوجل بقوله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [سورة النساء ، الآية : ١٠٩] ، وتنطبق الآية الكريمة على القوم الّذين اتّهموا بريئا وأرادوا تعريض النبيّ صلىاللهعليهوآله المجادلة عنهم ، كما وردت في الروايات على ما سيأتي.
أي : ولو لا فضل الله عليك بالتأييد والعصمة ، ورحمته بإخبارك وهمهم وتنبيهك بالحقّ والحقيقة ، لهمّت طائفة من الّذين يختانون أنفسهم ـ وهم قوم أبي طعمة وغيرهم على ما ستعرف ـ الّذين انتصروا للخائن وطلبوا من النبيّ صلىاللهعليهوآله المجادلة عنهم والحكم على المتهم البريء ، وهم يعلمون حقيقة الحال ، وقد همّوا وبذلوا غاية جهدهم في إضلال النبيّ صلىاللهعليهوآله عن الواقع والقضاء بالحقّ ، والآية المباركة تدلّ على نفي تأثير همّهم فيه صلىاللهعليهوآله لا نفي الهمّ مطلقا.
قوله تعالى : (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ).
أي : أنّ إضلالهم لا يتعدّى إليك ولا يتجاوز عن أنفسهم ، فإنّ وزره ووباله