الخطيئة على قسمين ، فإمّا أن يكون عملا أو أثر عمل لم يقصده الإنسان ، فلا تعدّ حينئذ معصية ، ومن نسبة الخطيئة إلى الكسب الدالّ على القصد يراد من الخطيئة المعصية.
وأمّا الإثم فهو في الأصل التقصير ، أي : ما يوجب قصر صاحبه عن الكمال ، أو ما يوجب الحرمان عن الخيرات كالخمر ، فإنّها تقصر بشاربها لذهابها بعقله ، وهي توجب حرمان شاربها من الخيرات ، سواء كانت فرديّة أم اجتماعيّة أو تكون مبطلة للثواب.
وأمّا الذنب ، فهو الفعل الشنيع الّذي يتبعه الذمّ واللوم.
وذكر بعضهم أنّ الإثم هو القبيح الّذي عليه تبعة ، وأمّا الذنب فهو القبيح من الفعل ولا يفيد معنى التبعيّة ؛ ولذا يقال : أذنب الصبي ، ولا يقال : قد إثم.
وكيف كان ، فاجتماع الخطيئة والإثم في الآية الشريفة ونسبتهما إلى الكسب يدلّ على أنّ لكلّ واحد منهما مدلولا خاصّا. فالمعنى : ومن يكسب معصية ويفعل فعلا لا ينبغي أن يقصده ، كترك الواجبات وفعل المحرمات ـ كأكلّ الدم ـ أو يكسب إثما يوجب حرمان صاحبه عن الخيرات ويبقى وبالها ـ كالسرقة وقتل النفس ـ ثمّ يرمي بريئا بنسبتها إليه ، فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا.
والمراد من (يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) نسبة الخطيئة والإثم إليه ، وزعم أنّه هو الّذي فعله افتراء.
قوله تعالى : (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً).
البهتان هو الكذب على شخص بما يبهت منه ويتحيّر عند سماعه لفظاعته ، يقال : بهته بهتا وبهتانا فهو باهت ، والمقول مبهوت.
والإثم المبين ، أي : المبين الّذي لا شكّ فيه ولا خفاء ، واكتفى في البهتان بتنكير التفخيم. ويمكن أن يرجع وصف الإثم إلى البهتان أيضا ، وعبّر بهما تهويلا للأمر وتعظيما لحال البريء.