عزوجل ـ والتغيير المعنوي المتمثل بالخروج عن الفطرة السويّة والإعراض عن الدين الحنيف والتعاليم الإلهيّة وتبديلها وتحريفها وتغييرها ، وإتيان أنواع الرذائل والمنكرات ، أو ترويج الباطل وإشاعة الفحشاء ، وتحويل النفس عمّا يدعو إليه داعي العقل والفطرة ، قال تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [سورة الروم ، الآية : ٣٠] ، فإنّ فطرة الناس هي أساس الكمالات ومنبع الخيرات وأصل الفواضل والمكارم ، ولها السلطة على جميع مشاعر الإنسان إذا لم يعتريها الضلال والغواية ولم يتلبّس بما يفسد الفطرة من الرذائل والمنكرات والجرائم.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً).
بعد بيان حال الشيطان من التمرّد والطغيان والفساد والإفساد ، ولبعده عن رحمته تعالى ، عرّف الإنسان حاله ، فمن يطعه ويتبع أوامره ويؤثره على طاعة الله ، فقد خسر خسرانا مبينا وظاهرا ؛ لأنّه لا حقيقة له ولن يدعو إلّا إلى الحيرة والضياع في الحال أو المآل.
والتعبير بالاتّخاذ لبيان أنّ ولاية الشيطان ليست إلّا زائفة باطلة ، ولا ولاية له على أحد ، وأنّ الولي هو الله تعالى وحده ، وغيره باطل وإن اتّخذ وليّا. كما أنّ التقييد بقوله تعالى : (مِنْ دُونِ اللهِ) ؛ لبيان أنّه ليس هناك واسطة ، فإمّا اتّباع للشيطان وطاعته المنافية لولاية الله جلّت عظمته وأوامره ، وإمّا اتّباع له عزوجل وإعراض عن الشيطان.
ويستفاد من الآية المباركة التأكيد على أنّ اتّباع الشيطان ينافي طاعة الله تعالى. وإنّما خسر متابعو الشيطان خسرانا مبينا ؛ لأنّه من استبدال رضا الله تعالى برضا الشيطان ، ولا صفقة أخسر من تلك ، فكانت خسرانا واضحا وظاهرا لكلّ فرد إن تأمّل وتفكّر في ما صار إليه.