قوله تعالى : (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا).
المعروف أنّ (عسى) من الإنسان للترجّي ، ومن الله تعالى الحتم ؛ لأنّ الترجّي الحقيقي محال عليه عزوجل المحيط بكلّ شيء ، ولكن ذكرنا غير مرّة أنّ (عسى) وغيرها من أدوات الترجّي والتمنّي تستعمل في معانيها الحقيقيّة الإنشائيّة ، فهي إبراز المقصود والمطلوب بدواع مختلفة ، كالترجّي والتمنّي ونحو ذلك ، بلا فرق بين أن تكون تلك المعاني قائمة بنفس المتكلّم أو المخاطب أو بمقام التخاطب ، فيكون مفهوم (عسى) في الخالق والمخلوق على حدّ سواء ، بلا ارتكاب مجاز في الأوّل.
والمراد ب (الَّذِينَ كَفَرُوا) هم مشركو قريش وطواغيت الباطل ، والبأس القوّة والنجدة.
والآية الشريفة تزيد في تحريض المؤمنين على القتال واستعدادهم له ، فإنّ العامل النفسي له الأثر المهم في الحروب ، فإذا اطمئن العدو أنّ المؤمنين على أتمّ استعداد ، وقد وطّنوا أنفسهم على القتال في سبيل الله تعالى ، وكان الباعث على ذلك هو الإيمان والاعتقاد الجازم بالنصرة الإلهيّة لهم ، من دون أن يكون إلزام وسيطرة خارجيّة عليهم ، صاروا أشدّ بأسا وأتمّ استعدادا للقاء العدو ، ولذلك التأثير الكبير في وهن العدو وخوفه.
ومن ذلك يعلم أنّ هذه الآية المباركة من الآيات المعدودة الّتي نزلت في القتال وراعت الجانب المعنويّ والنفسيّ في هذا المجال.
قوله تعالى : (وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً).
التنكيل من النكال وهو العذاب والعقاب بما يكون عبرة لغيره. وأصله من التعذيب بالنكل ، وهو القيد ، فعمّم لكلّ عذاب مع هذه الخصوصية.
وفي الآية الكريمة كمال التشجيع ببعث الرأفة والاطمينان في نفوس المؤمنين ، بأنّ الله تعالى القادر على كلّ شيء هو أشدّ قوّة من الأعداء وأشدّ تعذيبا لهم ، هو