والفاء في «فقاتل» للتفريع ، والأمر بالقتال متفرع على المتحصّل من الآيات السابقة. ويحتمل أن يكون تفريعا على قوله تعالى : (وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) ، أى : من أجل ذلك فقاتل في سبيل الله تعالى.
ويحتمل أن يكون تفريعا على قوله تعالى : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) ، أي : فقاتل إعلاء لكلمة الله واستنصر الله تعالى عليهم للمستضعفين ، ولا بأس بذلك.
ولكن الأولى هو الأوّل ، فإنّه بعد أن أمر المؤمنين بالقتال وبيّن مواقفهم المتقاعسة والمتخاذلة ، وبيّن أنّما بعث لا بلاغ الرسالة ، وليس شأنه الرقابة والجاءهم الى الطاعة. ففي هذه الآية الكريمة يأمره سبحانه وتعالى بتنفيذ التكليف والقتال في سبيل الله تعالى ـ لأنّه القدوة في كلّ مجال ـ وأنّك الرقيب على نفسك ، ولا يضرّك تثاقلهم في القتال وإحجامهم عن تنفيذ أوامر الله تعالى ، وإنّما عليك التوجيه والتحريض لغيرك.
وقوله تعالى : (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) ، إمّا بمعنى لا تكلّف بشيء إلّا أنّ تكلّف نفسك ، فالأوّل مجهول والثاني معلوم. و «تكلّف» مرفوع ؛ لأنّه مستقبل ، ولم يجزم ؛ لأنّه ليس علّة للأوّل. وقرئ بالجزم على أن (لا) ناهية والفعل مجزوم بها ، أي : لا تكلّف أحدا إلّا نفسك ، و «نفسك» منصوب على أنّه مفعول لفعل معلوم مقدّر يفسّره الفعل المجهول الظاهر.
قوله تعالى : (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ).
التحريض الحثّ على الشيء ، أي : حثّهم على القتال بالترغيب والوعظ والوعد في الطاعة والتوعيد على المخالفة.
والمراد بالمؤمنين هم تلك الطائفة المخلصة الصادقة في إيمانها ، والخالصة عن تلك الأوصاف الّتي وصف بها سبحانه وتعالى الطوائف الزائفة.