والآية المباركة ترغيب إلى الجهاد في سبيل الله تعالى ، وردّ على من يحجم عنه خوفا على ما حصل من متاع الدنيا.
والفتيل ما يكون في شقّ نواة التمر ، أو ما يفتل بالأصابع من الوسخ على ما عرفت سابقا ، ويكنّى به عن القلّة والحقارة ، يقال : «ما أغني عنك فتيلا» ، أي شيئا بقدر الفتيل.
قوله تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ).
بيان لحقيقة اخرى من الحقائق الّتي يدركها جميع أفراد الإنسان ، وهي أنّ الموت حتم لا مفرّ منه ولا مهرب عنه ، ولو اتّخذ لنفسه ما يتّقي به كلّ مكروه فإنه واقع حسب سير التكوين ، وأنّه مهما غفل عنه الإنسان أو تغافل عنه حسبانا منه أنّه بعيد ، فإنّه ستجيء اللحظة الّتي يتنبه فيها ويدرك تلك الحقيقة ، وتكون فيها نهايته.
والآية الشريفة بأسلوبها البديع توقظ الناس وترشدهم إلى تلك الحقيقة وتجسّمها لهم ، بحيث لا تدع أيّ مجال للشكّ والارتياب ، فتستقرّ في أنفسهم أنّ متاع الدنيا قليل.
والبروج : جمع البرج ، وأصله التبرّج بمعنى الظهور ، ومنه تبرّجت المرأة إذا أظهرت محاسنها. ومنه بروج النجوم لمنازلها المختصّة بها ، قال تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) [سورة البروج ، الآية : ١] ، أي : الكواكب العظام سمّيت بها لظهورها ، وقال تعالى : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً) [سورة الحجر ، الآية : ١٦] ، أي منازل للشمس والقمر.
والمراد منه هنا البناء المعمول ، وهو الحصن ، والبروج المشيّدة هي القصور المرتفعة الحصينة الّتي أحكمت ورفع بناؤها ؛ ليأوي إليها الإنسان لدفع المكروه عنه من عدو ونحوه.