لِلَّهِ) [سورة النحل ، الآية : ٤٨] ، وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) [سورة الحج ، الآية : ١٨] ، ولا يترتّب على هذا القسم سوى الكمال الذاتي النفسي.
وأخرى : اختياريّة ، أي : لا جبر في البين ، قال تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [سورة الإنسان ، الآية : ٣] ، ولا بدّ في هذا القسم من التقرير الشرعي ، ويترتّب عليها الكمالات المعنويّة ـ كالتقرّب إليه تعالى والوصول إلى أعلى المقامات ـ والآثار الوضعيّة.
ومنشأ العبادة الشعور بالافتقار بأي مرتبة كان الشعور ، كما ثبت في الفلسفة الإلهيّة ، فهو الدافع للعبودية له جلّ شأنه ؛ ولذلك لا بدّ في المعبود من الصفات المتفرّد بها ، ويكون هو في منتهى الكمال ، وذلك مختصّ بالله جلّت عظمته ، وغيره لا يستحق العبادة لافتقاره إليه جلّ شأنه ، وأنّ الفاقد للشيء لا يعطي الشيء أبدا ؛ ولذلك يكون اتّباعه غرورا ولا تكون عبادة حقيقيّة ، بل العبادة تختصّ به تعالى ؛ لافتقار الكلّ إليه واستغنائه عن الكلّ ، وأنّ الممكنات في جميع جهاتها محتاجة إليه تعالى ، وأنّ ما سواه فيء وظلال.
من لا وجود لذاته من ذاته |
|
فوجوده لولاه عين محال |
ولذلك يكون الشرك في المعبود محال عقلا ، كما أنّ الضدّ فيه تعالى كذلك ، وفي بعض الدعوات : «يا من لا ضدّ له» ؛ لأنّ ما سواه تعالى خلقه ويرجع إليه ، فلا يتصوّر الضدّية في ذلك ، لما ثبت في محلّه أنّه يشترط في الضدّين التساوي في الذات وفي الصفات ، وبعد فرض التفرّد في الذات والصفات تستحيل الضدّية ؛ لأنّه ليس كمثله شيء ، فاتّباع غيره تعالى مجرّد غرور ولا تكون عبادة حقيقة ، كما مرّ.
وإنّ العبادة لا تليق إلّا للغني بالذات ، بحيث لولاه لم يكن هذا الوجود ، ولو لا أسراره لتلاشت الكائنات ، ولولا نعوته وصفاته لاضمحلت البدائع ممّا سواه ، ولم تكن لعالم الشهادة عين ولا أثر.