قوله تعالى : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ).
بيان لأمر حقيقي ، وهو أنّ الطاعة لله والرسول تستلزم الدخول في مسلك من أنعم الله عليهم. وسياق العبارة يدلّ على أنّ المطيعين ملحقون بهم وهم معهم في جميع العوالم ، وهم منهم دون الصيرورة ، والإشارة ب : (أولئك) ؛ لبيان علو درجة المطيعين وبعد منزلتهم فضلا وشرفا.
والمراد من النعمة ـ الّتي ظاهر العبارة الدالّ على عظمتها وقصور اللفظ عن بيانها وتفصيلها ـ هي تلك النعمة الّتي تفضّل عزوجل بها على أفراد معينين ، وهم المخلصون الّذين آثروا حكم الله تعالى ورسوله على حكم الطاغوت ، وسلّموا أمرهم الى الله تعالى ، وهي الّتي نوّه عزوجل بها في قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [سورة الحمد ، الآية : ٧]. وهي النعمة الّتي تؤهّل الفرد في سلوك هذا الصراط وقبول الفيض الربوبيّ ، وقد أشار إليها عزوجل في مواضع متعدّدة في القرآن الكريم ، وهي تنحصر في نعمة الولاية.
قوله تعالى : (مِنَ النَّبِيِّينَ).
بيان للمنعم عليهم ، وهو حال إما من «الّذين» ، أي : أنّهم أنعم الله عليهم حال كونهم من النبيّين. أو من ضميره. وأجاز بعضهم أن يتعلّق الظرف بقوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ) ، أي : من النبيّين ومن بعدهم ، فيكون قوله «أولئك» إشارة إلى الملأ الأعلى ، ولكن هذا الوجه خلاف الظاهر كما هو واضح.
وقد ذكر عزوجل أربعة طوائف ممّن أنعم عليهم بالهداية والتوفيق ، وقد اتّصفوا بمكارم الأخلاق إلّا أنّ كلّ طائفة تختلف عن الاخرى ببعض الأمور الموجبة لاختلافها في المنزلة والدرجة ، فلا وجه للقول بأنّ الصدّيقين والشهداء والصالحين أوصاف متداخلة لموصوف واحد ، فهم في الحقيقة فريقان ، الأنبياء ،